أزمة معارضة حكومة 25 يونيو




أزمة معارضة حكومة 25 يونيو

بقية أيام قليلة على الانتخابات التشريعية لأول مجلس نواب للدستور الجديد، والتي سوف تفرز لنا حكومة، رئيس حكومتها منبثق عن صناديق الاقتراع، وفي مقابل ذلك ستكون هناك معارضة جديدة بأدوات وصلاحيات جديدة، لم يشهدها الحقل السياسي المغربي منذ أول دستور سنة 1962.

وإذ هيمن النقاش الحالي حول تركيبة الحومة الجديدة وعن التحالفات الممكنة، فقد تم استبعاد أهم مؤسسة جديدة وهي مؤسسة المعارضة التي لها أدوار طلائعية، وعليها رهانات كبيرة، في مغرب الطلب على القضايا الاجتماعية يعرف تضخما كبيرا في الشارع، وإقبال المغرب على أزمات مالية بفعل تداعيات الأزمات المالية التي تعرفها دول الاتحاد الأوربي، كما أنها ستكون المعارضة المراقبة لمدى التنزيل والتفعيل الأمثل للدستور من قبل الحكومة، فإن النقاش حول المعارضة لم يحظى بنفس النقاش كما تحظى به المقاعد المريحة للوزارة.

توجد مقولة مأثورة، أن وجود معارضة قوية تؤدي حتما لوجود حكومة قوية، ووجود حكومة ضعيفة بسبب وجود معارضة ضعيفة، لهذا لا بد من الإشارة إلى الصلاحيات الجديدة للمعارضة.

ففي الفصل العاشر من الباب الأول المخصص للأحكام العام فقد أولى للمعارضة البرلمانية، ومن أبرزها: المشاركة الفعلية في مراقبة العمل الحكومي، لاسيما عن طريق ملتمس الرقابة، ومساءلة الحكومة، والأسئلة الشفوية الموجهة للحكومة، واللجان النيابية لتقصي الحقائق ، المساهمة في اقتراح وانتخاب الأعضاء المترشحين لعضوية المحكمة الدستورية، تمثيلية ملائمة في الأنشطة الداخلية لمجلسي البرلمان ، رئاسة اللجنة المكلفة بالتشريع بمجلس النواب، التوفر على وسائل ملائمة للنهوض بمهامها المؤسسية ، المساهمة الفاعلة في الدبلوماسية البرلمانية، للدفاع عن القضايا العادلة للوطن ومصالحه الحيوية...

أي أن المعارضة سوف تتسلح بإمكانيات مهمة جدا، ولكن يبقى إشكال هو أي معارضة تستجيب لتطلعات عموم المواطنين؟

إن الحديث عن المعارضة القادمة، لن تكون بمعزل عن السياق العام الذي يعيشه المغرب من حراك اجتماعي، بل سوف تكون نتيجة لتوازنات سياسية دقيقة، تأخذ بعين الاعتبارات التالية:

Ø أن تكون معارضة تتلائم مع طبيعة النظام السياسي المغربي، حيث تكون معارضة صاحب الجلالة، وليست معارضة مستقلة؛

Ø أن تكون تعبر عن توازن حكومي؛

Ø أن تحظى المعارضة بقبول ومشروعية من قبل الشارع؛

Ø أن تكون معارضة مجسدة لمطالب واحتياجات المواطنين، حتى يتم إدماج الشعارات التي ترفع في الشارع إلى داخل المؤسسات؛

يمكن الحدث على سيناريوهات المعارضة القادمة، وذلك أمام ضبابية المشهد السياسي المغربي، وأن قواعد اللعبة السياسية غير متوازنة، من خلال مايلي:

السيناريو الأول: وهو جد مستبعد، ويتعلق بوجود العدالة والتنمية بالمعارضة، فالدولة لن تسمح بتواجد حزب مثله أن يتواجد في المعارضة لأكثر من عشر سنوات حيث يتقوى يوما بعد يوم بفعل خطاب ديماغوجي، وباعتبار أن التواجد في المعارضة يعكس له امتداد في الشارع سواء من خلال حركته "باااركة" أو من خلال طيف من جمعيات المجتمع المدني الاحساني، ومن جهة أخرى يعتبر بن كيران من زعامات القصر التي تسعى جاهدا لتكون من أكبر خدام الأعتاب الشريفة، فهو يطمح أن تكون له رئاسة الحكومة، فبالأحرى بعض الحقائب الوزارية.

كما يطرح داخل هذا السيناريو من سيكون في الحكومة، في مقابل العدالة والتنمية، فغالبا ستكون أحزاب جي 8 بالإضافة إلى حزب الاستقلال وحزب الاتحاد الاشتراكي، وأمام العداوة بين آل الفاسي مع آل الرحامنة، فصعب أن يتحالفوا من أجل حكومة منسجمة، أما القول بتحالف حزب الاستقلال والعدالة التنمية في المعارضة، فالأول سوف يتشبث بالكثلة وخاصة الاتحاد الاشتراكي وأين سوف يكون موقعه آنذاك، وهل سوف تكون للحكومة في تلك الحالة نسبة برلمانية مريحة.

السيناريو الثاني: الاتحاد الاشتراكي في المعارضة، وإن كانت هذه أمنية قواعد الحزب، إلا أن المتحكم الرئيسي بالحزب هم الصقور الذين استأنسوا بالأريكة المريحة للوزارة ولما تعود عليهم من عوائد يصعب التخلي عنها في المرحلة الحالية، ولكن مع ذلك يبقى هذا السيناريو قائما إذا وفق بشروط خاصة به، هي أن تكون حكومة مشكلة من جي 8 ومعارضة اتحادية مع حزب العدالة والتنمية، ويعتبر هذا السيناريو مثل نعش الحكومة في يومها الأول، لقوة وتمرس الاتحاد في المعارضة، ولعودة الطبقة المتوسطة للحزب الأم بعد أن هجرته إلى العدالة والتنمية، وهو ما سوف يجعل هذا السيناريو انتحار للحكومة في رحمها، كما أنه سوف يجعل للشارع أكثر قوة بفعل استمرار حركة اتحاديو 20 فبراير في الشارع مما سوف يجعل الاتحاد أنداك يفاوض من موقع قوة، وهو شيء لا تريده الدولة.

السيناريو الثالث: حزب الاستقلال في المعارضة، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الحزب هو ماكينة انتخابية وحكومية، فلن يقبل أن يعود للمعارضة، ومن جهة أخرى لن يكون له صوت داخل الشارع، حيث تعتبره حركة 20 فبراير أسوء حزب سياسي في تاريخ المغرب، وأن عائلته الفاسية متحكمة في الثروة الوطنية، الشيء الذي لن يجعله يعكس مطالب الشباب بل سوف تكون معارضة جوفاء.

السيناريو الأخير: أحزاب جي 8 في المعرضة، وهو السيناريو الذي يمكن اعتباره مثل التهريج بالمغاربة، فأحزاب جي 8 إن كانت بعض مكوناته لعبة نفس الدور سابقا في إطار أحزاب الوفاق الوطني، إلا أن السياق اليوم تغيير بشكل جذري، حيث يتوقع أن الأحزاب مجموعة يمكن أن تكون لها أغلبية، والتي لن تجعل للحكومة الهامش التحرك وتدبير السياسات العمومية، ومن جهة أخرى وجود حزب مثل الحركة الشعبية التي تعلن أنها يمكن أن تتحالف مع أي حزب للظفر بمقاعد برلمانية وحزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يسعى لان يحصل على رئيس الحكومة وله برغماتية متطورة في البقاء في الحكومة والاستمرار فيها، أما حزب الأصالة والمعارضة فقد جرب موقع المعرضة التي فشل فيها، وأحزاب صغيرة تسعى لأن تكون مشاركة بحقائب وزارية لأول مرة في مسارها السياسي، إن لتواجد في المعارضة يهدد التحالف بالنسف والاندثار مما سيجعل مسرحيته تتسم بنوع الفولكلورية.

يبقى السيناريو المحتمل، موقع المعارضة فارغ، وتشكيل حكومة ائتلاف وطني سوف تحاول أن تتجاوز الحراك الاجتماعي بالمغرب، معلنة الأسباب التالية:

Ø أن الدستور لم يكتب بعد، ويحتاج لتوافق وطني بين جميع المكونات من أجل التنزيل الناجع والسليم لمقتضياته؛

Ø أن الحكومة مقبلة على تنزيل أكثر 18 قانون تنظيمي، وخاصة القوانين المرتبطة بمؤسسات الحكامة التي لا تحتاج لانتقاد فيما بعد، لأنها مؤسسات دائمة وليست مؤقتة؛

Ø أن الحكمة تحظى بالشرعية الانتخابية، ومشروعية الأصوات المعبر عنها مهما كانت نسبتها، أن نسبة المقاطعين لن تصل إلى مستوى الحكومة؛

ويهدف هذا السيناريو إلى جعل الشارع في مواجهة مؤسسة البرلمان والحكومة، بدل الوضع القائم الذي يتسم بنوع من المواجهة بين الدولة والمجتمع، وتجاوز وضع المؤسسات، التي يريد منها النظام أن تعود لتلعب دورها الكلاسيكي كصمام أمان من مواجهات مطالب المجتمع .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مقارنة شكلية بين دستوري 2011 و1996

نظام الحكم في المغرب

قراءة في كتاب دستور 2011 بين السلطوية والديمقراطية، لحسن طارق وعبد العالي حامي الدين