المجلس الدستوري في النظام السياسي المغربي
يمارس البرلمان دور الوساطة والتمثيلية، وهذه الرابطة هي مقياس مدى تحقق النجاعة والفعالية المؤسساتية للمؤسسات المنتخبة، كأساس للسيرورة والصيرورة في الرابطة التعاقدية بين الجسم الانتخابي والممثلين، مما يجعل تحديدها من خلال تدخلات المجلس الدستوري التي يمنحها له الدستور صراحة، تطرح تساؤل حول مقتضيات ومتطلبات هذه التمثيلية وحول دور البرلمان في النسق السياسي بشكل عام.
وتزداد هذه الإشكالية تعقيدا وترابطا في صبر أغوار وتحديد أسس المراقبة على شرعية القوانين واحترامها للبناء والهرم الدستوري، سواء في بعدها الشكلي أو الموضوعي، إلا أن اللبس الذي يكتنف نصوص أخرى تجعل من هامش السلطة التقديرية التي يمتاز بها القاضي الدستوري، يتسع أكثر فأكثر كلما كان حجم الغموض كبيرا. وبالتالي يطرح تساؤل حول الحدود الدنيا والأقصى ل"حراسة" القاضي الدستوري لمبدأ الشرعية الدستورية، وكذلك لأثار ومستويات هذا الدور في الحقل السياسي والدستوري المغربي.
لا بد من الإشارة إلى كون المجلس الدستوري أصبح يعتبر فاعل سياسي بدون ريب، فقراراته لها تأثير على موازين القوى بين جل الفرقاء السياسيين والمؤسسات الدستورية. خاصة في سياق التجربة المغربية التي تتسم بنوع من قواعد لعبة زئبقية، والإمكانيات التي يمتاز بها الفاعلين السياسيين على قدرة إدخال ما يمكن تسميته بحرب التأويلات الدستورية والتأويلات المضادة، وهي ما تثير أهمية البحث عن مكانة المجلس الدستوري في هرمية السلطة بالمغرب ومكانة القاضي الدستوري في المنظر السياسي بشكل عام.
نقطة أخرى أسياسية تتمثل في كون الواقع السياسي والاجتماعي المغربي يتسم بنوع من الديناميكية أو "الدياكرونية"، أمام تقيد القاضي الدستوري وانطلاقه من الظاهرة النصية التي تتسم بنوع من الجموع أو "الستاتستيكية"، تؤسس لهوة كبيرة بين مؤسسة المجلس الدستوري وباقي المؤسسات الأخرى بما فيها البرلمان. باعتبار أن القاعدة القانونية بما فيها من القاعدة الدستورية لا تحتمل بالضرورة فهما أو تأويلا واحدا صرفا، بل عدة تأويلات وتفسيرات مرتبطة بالتحولات الجديدة سواء مكانية أو زمنية أو موضوعية حيث يتم تحيينها وتكييفها وفق المقتضيات الجديدة. وبالتالي هل المجلس الدستوري مطلوب منه فقط الاكتفاء بتحقيق الشرعية الدستورية والقانونية أم يمكنه تجاوز ذلك من خلال ممارساته واجتهاداته إلى تحقيق لمبدأ شرعية العدالة؟
إن الأولى أي تحقيق الشرعية الدستورية والقانونية من قبل المجلس الدستوري تعني ممارسة نوع من الحكم على الأنشطة والأعمال التي يقوم بها البرلمان مطابقة أم محالفة لأحكام الدستور، بمعنى عدم تجاوز النص للوصل إلى فحص جودة أو قيمة العمل البرلماني، بل يكتفي بالتطرق إلى خلو العمل من عيب من عيوب الشرعية التي تتفرع إلى عيب الاختصاص، عيب الشكل، عيب الغاية أو الهدف، عيب مخالفة القانون، فنكون أما ثنائية إما الحكم بالمنع المطلق بإقرار وجود عيب لما تكون القاعدة القانونية صريحة، أو العيب النسبي عندما يتم استقراء النصوص واستخلاص المنع منها ضمنيا.
طوق اجتهادات المجلس الدستوري غير مطلقة ومستقلة بل هي في صميم قراراتها وأحكامها تابعة لفلسفة ضامن الدستور وحاميه وضامن استمرار المؤسسات، الذي يستند في مشروعيته من حقل خارج مجال المراقبة مما يجعل المجلس الدستوري ينحصر في مجال الحراسة دور الوصل إلى مجال الضمانة.
وأخيرا فالمجلس الدستوري يمارس نوع من الضبط والتوجيه للبرلمان، من خلال اعتماده لمبدأ الشرعية التي تتسم بنوع من الفسيفسائية، بقراءة النص الدستوري قراءة سطحية أو باطنه غاصة في روح وفلسفة لنص للتنقيب عن تقاطعات النص مع فلسفة السلطة بالمغرب في مجال التأويلات الذاتية.
أما في مجال الطعون الانتخابية فإن القاضي الدستوري يتدخل في إطار ما يسمى ب"الجولة الثانية" من الانتخابات أي أنه حكم بين خصوم سياسيين يضطر إلى نزع الصفة السياسية عن الإطراف جاعلا من تمثيليتهم ذات بعد مدني خال من تأطير سياسي. أي ينقل الفرقاء السياسيين من كائنات سياسية homo-policus إلى كائنات مدنية homo-civilus من تمثيلية دائرة انتخابية أو حزب سياسي إلى تمثيلية الأمة، ترجمة للفصل 36 من الدستور الحالي لسنة 1996.
مما يجعل قراراته تحقق نوع من التوازن السياسي داخل البرلمان، مما يطرح تساؤل حول المعايير الني يعتمدها المجلس الدستوري في شأن الطعون الانتخابية أثناء الإلغاء أو الاستقالة لإعادة الانتخابات الجزئية أو إعمال لقاعدة الحلول.
المجلس الدستوري يلعب دورا مهما في الحياة الحزبية والسياسية من خلال اجتهاداته في مجال الطعون الانتخابية، فالمرشحون من الأفراد ينطلقون في أفكارهم من مواقع اقتصادية واجتماعية وفلسفية خاصة، ولابد لهذه المواقع من أن تؤثر على مواقفهم وأحكامهم من خلال لجوءهم للقضاء الدستوري. ولهذا فالاجتهادات إما تكون ذات نفحة محافظة أو تقدمية وهي مرتبطة أساسا بالسياق السياسي من جهة ومن جهة أخرى بالتركيبة السوسيولوجي لأعضاء المجلس، ويظهر ذلك جليا من خلال تفسيره لأحكام القانون واللجوء إلى إقرار التعويض في حالة إلغاء مقعد برلماني أو إعادة الانتخابات الجزئية. هذا الأمر الذي جعل بعض الباحثين يتحدث عن دور المجلس الدستوري في الحياة الدستورية وبالتالي في الحياة السياسية أن يتحدث عن عهد حكم "قضاة المجلس الدستوري".
إن موجة الانتقالات الدستورية التي انطلقت ابتداء من منتصف سبعينات القرن الماضي أثبت أن الموجات المواكبة لها أنتجت موجهات جديدة من الدساتير التي انطلقت من دساتير فصل السلط، مرورا بدساتير الانتقال الديمقراطي والتوافقات والتعاقدات الوطنية والاتفاقات الدستورية وصولا إلى دساتير القضاء الدستوري، هذه الأخيرة بمثابة ضامن الحقوق والشرعية القانونية معا، وهو القضاء الدستوري هو الحامل لقيم المجتمع وممثل ورمز سيادة واستمرار المؤسسات.
تعليقات