البوليزاريو : السياق والنشأة الجزء االثالث
ثالثا: التنظيم الإداري والعسكري للبوليساريو
السؤال الذي يؤرق في هذه الجزئية من المقالة تتمثل كيف تحولت "الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب" من حركة تحرر وطني إلى حركة تطالب بالانفصال والاستقلال عن الوطن؟
كما معلوم وخاصة من مجموعة من الشهادات الحية أن مصطفى والي السيد لم يكن يتبنى الفكر الانفصالي بقدر ما كان هاجسه هو تحرير الصحراء من الاستعمار الاسباني، والانضمام بعدها للمغرب، وقد تأكد ذلك من خلال التوثيق بالرجوع إلى جريدة "23 مارس" لعدد يناير 1973 حيث نشرت مذكرة منسوب إليه، يناقش فيه وضعية الصحراء وأهم الاستشارات التي قام بها مع بعض زعماء الأحزاب السياسية، إذ يقر بخط يده في الجريدة ما يلي: ".. يمكن القول إن المنطقة كانت إقليما مغربيا كسائر الأقاليم المغربية." وبالتالي يقر بمغربية الصحراء، وبالعودة إلى مذكرته الخاصة نجده أنه يربط بشكل جدلي الترابط التاريخي بين سكان الصحراء الغربية والمغرب.
إلا أن المبادرات المحمودة لمصطفى الوالي السيد قوبلت بإجحاف لا من قبل الدولة التي كان هاجسها بناء المؤسسات مما جعل قضية استقلال الثغور مسألة ثانوية بل وأبعد من ذلك فقد أغلقت كل الثكنات العسكرية لجيش التحرير وإدخال العملية السياسية لأزايد من 15 سنة بالإعلان عن حالة الاستثناء، لا من قبل الأحزاب السياسية التي لم تتعامل مع الأمر بمحمل الجد.
وقد كان معروف على مصطفى والي السيد انتماءه لليسار الماركسي الذي كان يرى في الثورة الخرج الحقيقي من الاستبداد، إلا أنه كان يركز على كون التناقض الرئيسي يثمل في التناقض مع قوى الامبريالية المجسدة في اسبانيا أما التناقض الثاني هو التناقض الثانوي مع الكومبرادورات النظام المخزني فهو مؤجل لأولية استقلال الصحراء، بمعنى أخر في سياق التحليل أن الإشكال المركزي ينطلق من الخاص ليصل إلى العام وليس العكس.
فجمع الوالي السيد ثلة من الشباب الصحراوي القادم من المغرب بشكل أساسي ثم موريطانيا والجزائر وخاصة من اسبانيا التي قدم منها شباب يؤمن بشكل قطعي بحركة " الكفاح من أجل طرد المستعمر الإسباني" المعروفة بمنظمة " اختساريو "، إلا أن المهيمن كانت مجموعة طانطان، التي سوف تلعب دور فيما بعد في التقارب مع الجزائر، أي بعد سنة 1976. حيث سوف تدخل الجزائر على الخط من خلال هذه المجموعة في عهد هواري بومدين، الذي كان يصرح في أكثر من مرة " يعتقد إخواننا المغاربة ، أنهم ساعدونا في تحقيق استقلالنا عن فرنسا، الآن يتوجب علينا أن نساعدهم في التحرر من الملكية القطاعية التي باعتهم للغرب" و النظام الملكي في المغرب رجعي و عميل للامبريالية . كما أكد رسميا في خطابه لأبريل 1976 " أن ضم الصحراء الغربية للمغرب يعني تهديدا للوحدة الترابية الجزائرية ووسيلة لتطويقها ومقدمة لإجهاض ثورتها ".
إذ بدأت الجزائر تعمل على نهج سياسة الحرب بالوكالة وغير المباشرة على المغرب بالرهان على منظمة " موريهوب " ( الرجال الزرق )، إلا أن فرار زعيمها ادوارد موحا للمغرب، فلجأت إلى المعارضين للمغرب المتواجدين بالتراب الجزائري وخاصة منهم الهاربين والمنتميين للاتحاد الوطني للقوات الشعبية، المحسوبين على خط فقيه البصري، الا أن هؤلاء عارضوا بشدة ذلك الاستغلال، مما دفعهم إلى توقيع وثيقة تدين المس بالتراب المغربي.
مما جعل الجزائر تلجأ للجبهة مدعمة لها بالسلاح والضخ الإيديولوجي.
عموما فبعد المؤتمر التأسيسي الأول، بدأت الجبهة من خلال تأسيس نظري للوجود وبناء تنظيم هرمي وأخير التنظيم العسكري.
1- التأسيس التنظيمي:
قبل بناء التنظيم كان لابد من تجميع السكان، فأسست البوليساريو مجموعة من المخيمات أعطتها تسميات مقابلة للتسميات المدن المتواجدة بالصحراء، كالعيون واسرد والداخلة، وبمساعدة الآلة الجزائرية تم نقلهم إلى تندوف، حيث كان يقدر عددهم ب 75 ألف صحراوي، على أساس أن وجود حركة سياسية عسكريو يقتضي بالضرورة وجود مخيمات، فاضطر كل من مصطفى الوالي السيد على العمل شحن الصحراويين من خلال خطبه وتنظيمه على أسس النية السياسي للأنظمة التوتاليتارية القائمة على الشحن وحزب الدولة حيث تصير الدولة متطابقة تماما للمجتمع، حسب تعبير "حنة أرندنت" ، وما يؤكد ذلك هو البنية التنظيمية المأخوذة من النموذج الشيوعي الألباني، للبوليزاريو الذي أضحى حزب الدولة، القائمة على التوزيع إلى خلايا متعددة سياسيا عسكريا يشرف عليها مفوضون سياسيون، يتولون بناء الدعم الايولوجي والتدريب العسكري.
فكانت التنظيم الاهليلي يقوم على وجود الكاتب العام ثم لجنة تنفيذية (7 أشخاص) والمكتب السياسي (21) يضاف للمكتب السياسي 9 أفراد ممثلين للقواعد الشعب ثم " المجلس الوطني للشعب ".
نوجز التنظيم الإداري والاجتماعي من خلال الشكل أسفه.
الرسم رقم 1 أعلاه
2- التنظيم العسكري:
يتكون التنظيم للجبهة من هيكل منظم يقوم على تسلسل هرمي من كتيبة وفصيل على رأسهما مفوضون عسكريون سياسيون، هؤلاء يكونون مجلسا يترأسه المفوض العام من خلال وحدة فيلق.
أما التوزيع الجغرافي فيقوم على سبعة مناطق عسكرية موزعة حسب الرسم أسفله:
الرسم رقم 2 أعلاه
من حيث الوحدات القتالية بالناحية العسكرية فهي:
فيالق | مشاة ميكانيكية ومشاة متحركة |
أفواج | مدفعية ميدان ، مدفعية مضادة للطيران |
كتائب | سرايا مختلف الأسلحة |
وتتوزع هيأة الاركان إلى عدة مديريات
الرسم رقم 3 أعلاه
أما فيما يتعلق بمصادر التسلح فليبيا المزود الأول للبوليساريو بالسلاح فكانت أول دفعة من الأسلحة هي عبارة عن 78 رشاش كلاشينكونف وفال، وصلتها عن طريق سفارتها بموريطانيا، بالإضافة إلى الجبهة الشعبية لحرير فلسطين التي زودت الجبهة بمجموعة من المسدسات تم إحضارها من مطار بيروت،وتعتبر أكبر دفعة في حصلت عليها البوليساريو أواخر 75 من ليبيا عبر طريق الجزائر وهي عبارة عن مئات السيارات العسكرية والطبية،
كذلك الجزائر دعمت البوليساريو من خلال برنامج دعم التسلح الشهري، فبدأت تشتري أسلحتها بنفسها من أسواق السلاح العالمية خاصة من كوريا الشمالية ويوغسلافيا، وتقوم ليبيا بدفع أثمنت تلك المقتنيات، مما مكن الجبهة من الحصول على صواريخ سام 6 الباهظة بأموال الجزائريين.
مما مكن البوليساريو من الحصول على ترسانة مهمة من الأسلحة نذكر جزء منها:
السلاح | النوع |
دبابات | T54 و T55 سوفييتية الصنع |
ناقلات جنود مصفحة | BMP و BTR مزودة بمدافع 73 مم |
مدافع | نوع ( B10 -107 mm ) و ( B11-80 mm هاوزر 122 ملم بعيدة المدى |
رشاشات | دوشكا سوفيتية الصنع عيار 12ملم، عيار 5, 14 ملم و 23 ملم |
راجمات الصواريخ | 120ملم بعيدة المدى |
مضادات الدروع | ـ ( بازوكا ) و ( آر بي جي 7 ) |
صواريخ | سام 6 سام 7 سام 8 سام 9 سامرة " |
هذه الترسانة العسكرية المهمة وازتها استراتيجيات عسكرية مهمة أيضا كبدت الجيش المغربي خسائر الى غاية بناء الجدار الأمني حيث أصبح المغرب المتحكم في المعارك بقدرته على فرض ارض المعركة على الخصم, على أساس أن البديات الأولى للحرب كانت حرب استنزاف وحرب عصابات استطاعت البوليزريو إن تحقق انتصارات مهمة على الجيش الملكي المغربي،وقد زاد من قوتها استعمال أسلحة متطورة ابتداء من 1977، وهي حرب اعتمدت أساسا على إستراتيجية الضعيف ضد القوي,
وبكن ابتداء من 81 بدأت الموازين تتقلب لطرف لأخر وتتساوى المعارك والانتصارات، باعتماد المغرب بناء الجدار الأمني حتى تتمكن أن تكون ضامنة لحماية المدن والتجمعات السكانية، وهذا الجدار عبارة عن كثل رملية يصل طولها ثلاثة أمتار على عرض مترين، ومغروس بحقول للألغام، وتواجد مراكز قيادة داخل الجدار مخفية بين كل وحدة حوالي خمسة كلم، وامتداد خطين للدفاع الأول
مركز على المدافع والخط الثاني يوجد على مسافة سبعة كلم يتمكز على بطاريات الهاونات الذاتية الحركة.
وهي مرحلة امتياز للمغرب في ساحة الحرب.وبعد سنة 87، حاولت البوليزاريو تغيير استراتيجيتها إلا أن زمن الحرب انتهى سنة 1991 بتدخل الأمم المتحدة على الخط وإصدار وقف إطلاق النار، ولكن أهم ما ميز الإستراتيجية الصحراوية الجديدة هي اعتمادها على المواجهة المباشرة من خلال مجموعات ضخمة من شباب القوا تدريبهم بمعسكر "تشرشل" بالجزائر، وكوبا، وقد عرفت سنة 89 أهم عملية من خلال حرب "كلتة زمور" مكنت البوليزريو باقتحام الجدار ولكن التدخل السريع للطيران المغربي فرض عليها التراجع. وهكذا دخل الطرفين معاداة جديدة تتمثل في تسوية الملف في مكاتب الأمم المتحدة ومن خلال الدبلوماسية الدولية.
رابعا: دور الانظمة الخارجية في الانتقال الى المطالبة بالاستقلال
الجزء الرابع والاخير
تعليقات