هل تسقط بوعياش في التطبيع "حقوقيا" مع التعذيب؟




هل تسقط بوعياش في التطبيع "حقوقيا" مع التعذيب؟
عزيز إدمين ***

 في حوار أجرته رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، مع أسبوعية تيل كيل، خلال هذا الأسبوع، اعتبرت أنه "لا يوجد تعذيب ممنهج في المغرب، لأن التعذيب الممنهج له تعريف محدد وهو نزع الاعترافات باستعمال شتى أنواع التعذيب..."، وفي سؤال الصحفي أن هناك من يدعون أن الاعترافات أخذت منهم بالقوة وتحت التعذيب، أجابت الرئيسة أن "جميع الإشكالات المطروحة الآن تتعلق بسوء المعاملة، وهذا ما نستشفه من زيارتنا للسجون ومتابعة المحاكمات، أما التعذيب الممنهج فلم نُصادفه".
بعيدا عن أننا لم نصادف أيضا أي تقرير صادر عن المجلس الوطني لحقوق الانسان يتعلق بزيارة السجون (باستثناء التقرير الموضوعاتي لسنة 2012) ولا أي تقرير عن متابعة محاكمة ما، ولكن نتساءل، أليس في جواب رئيسة المؤسسة الحقوقية نوع من "التطبيع" مع الشطط والتعسف والانحراف في استعمال القوة وأيضا مع التعذيب؟ باعتبار أن الإشكاليات المطروحة حاليا "مجرد" سوء معاملة؟
ألا تُوحي التراتبية في استعمال العنف من قبل بعض المكلفين بالقوانين، بأن الممارسة أقل من التعذيب، وبالتالي هو خطاب تبريري؟ ويرفع المسؤولية واللاعقاب وعدم المساءلة وتعويض المتضررين؟
في مقال له السنة الماضية بمناسبة الذكرى 70 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، اعتبر البروفيسور "نيلس ميلزر"، المقرر الخاص المعني بمناهضة التعذيب أن "أسوأ أشكال الوحشية هي اللامبالاتنا " The worst cruelty is our indifference، حيث "لا أحد يشعر بالمسؤولية" ...  فـ"هل سألنا يوما عن شعورنا ونحن داخل زنزانة قد نتعرض للاغتصاب فيها؟ وهل نسأل أنفسنا من هو الأكثر تجردا من الإنسانية في عالم يتسامح مع مثل هذه الإساءات: هل هم الضحايا، الذين مزقهم الألم والإذلال؟ هل هم الجناة، الذين لا يقل سلوكهم عن أكثر الحيوانات ضراوة؟" يقول البروفيسور.

أولا: سوء المعاملة جريمة وليست إشكالية
إن حديث السيدة أمينة بوعياش عن سوء المعاملة باعتبارها إشكالية، يفرغ معنى العنف غير الشرعي الممارس تجاه المعتقلين والساكنة السّجنية بشكل عام، لكون الإشكالية تتطلب تشريعات قانونية وتنظيمية وتداريب وتأهيل، في حين أن القانون الدولي لحقوق الإنسان يعتبر "سوء المعاملة" جريمة مثلها مثل التعذيب، وتستوجب المساءلة والعقاب وجبر الضرر.
وفي هذا الإطار نحيل بالحرف على ما ورد في الدليل الأممي الصادر عن المفوضية السامية لحقوق الانسان، والموجه للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، تحت عنوان "منع التعذيب، دليل عملي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان" المنشور في ماي 2010.
يؤكد الدليل بشكل صارم أن "حظر الأشكال الأخرى من المعاملة أو العقوبات القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وكما هو الحال مع حظر التعذيب، يعتبر هذا أيضا حظرا مطلقا وغير قابل للانتقاص"، و يضيف "لذلك فإن أي فعل لا يرقى إلى تعريف التعذيب لأنه لا يستوفي معيار أو أكثر من المعايير الثلاثة، فإنه مشمولا بالحظر الوارد في المادة 16 من اتفاقية التعذيب"، وينبه "أحيانا ما، تفترض الحكومات والمسؤولين أنه لكون هذه المعاملة القاسية أو لاإنسانية أو المهينة لا تندرج تحت تعريف التعذيب، فإن هناك قدرا من المرونة في السماح باستخدامها في الظروف القصوى، ولكن هذه الافتراضات خاطئة تماما" (الصفحة 14)، ويختم الدليل "فلا يوجد في القانون الدولي أي قدر من المرونة فيما يتعلق بحظر جميع أشكال المعاملة أو العقوبات القاسية أو اللاإنسانية أو المهنية، إذ يحظر القانون الدولي جميع أشكال هذه المعاملة، وفي جميع الظروف" (الصفحة 15).
ولأجل ذلك فإن دليل المؤسسات الوطنية الذي يعتبر بمثابة خارطة طريق لعملها، حتى تتناغم مع المعايير الدولية، يعتبر أن "اتخاذ إجراءات للتصدي لظاهرة الإفلات من العقاب أكثر أهمية في حالة "التعذيب" و"سوء المعاملة" بحيث أنها محظورة حظرا تاما في جميع الظروف"، (ص6)  لهذا "لابد من إجراء تحقيق "سريع" و"نزيه" و"فعّال" في مزاعم التعذيب، حتى في حالة عدم وجود شكوى رسمية" (ص5).
وعليه فإنه يتعين "أن يحصل ضحايا "التعذيب" وسوء المعاملة" على تعويض كامل وفعال، ويتضمن ذلك رد الحقوق والتعويض المالي وإعادة التأهيل والترضية وضمان عدم التكرار"(ص7).
إن جريمة "سوء المعاملة" لا تقل خطورة عن جريمة "التعذيب"، والتي تقتضي حسب الاسترشادات الأممية : السرعة، النزاهة، الفعالية، الحقيقة، عدم الإفلات من العقاب، التعويض الكامل.
"ولئن كانت الأشكال المتعددة التي يتجسد فيها التعذيب وسوء المعاملة لا تنطوي  بنفس القدر على قسوة ونية مبيتة واستغلال الألم والمعاناة وتحقيقا لمآرب معينة، فهي جميعا تنطوي على انتهاكات للسلامة البدنية والنفسية وتنال من كرامة الانسان"، مقتطف من التقرير المقدم من المقرر الخاص المعني بالتعذيب إلى الأمين العام بتاريخ 20 يوليوز 2018. (ص 4: التعذيب وسوء المعاملة).

ثانيا: التعذيب والتعذيب الممنهج
في كل مرة أستسمح القارئ بالعودة إلى بعض الآدبيات الحقوقية، وهي بالنسبة لي ضرورة بيداغوجية وتواصلية معه، لهذا مرة أخرى أود توضيح بعض التعريفات.
تعرف المادة الأولى من اتفاقية التعذيب، مصطلح التعذيب أنه:  "أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديا كان أم عقليا، يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه، هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث - أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب يقوم على التمييز أيا كان نوعه..."
أما التعذيب الممنهج، أو التعذيب الممارس بشكل منهجي، هو جريمة خطيرة ويعتبر انتهاك جسيم، ومدرج في خانة الجرائم ضد الإنسانية، فهي القصد أن تكون بعمد من الدولة، وتستهدف مجموعة معينة (عرقية، إثنية، جغرافية، مذهبية، سياسية ...)، بشكل متواتر وواسع النطاق، "تشكل جرائم التعذيب وغيرها من الأفعال اللانسانية المماثلة جرائم ضد الإنسانية متى ارتكبت على نحو منهجي أو واسع النطاق" (تقرير المقرر الخاص المعني بالتعذيب الوثيقة A/73/207).)
بالعودة إلى التقرير المسرب للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وإلى تصريحات ومزاعم المعتقلين، فإن ما تعرضوا له يعتبر تعذيبا لا غبار عليه، لكون ممارسة ألم جسدي ونفسي عليهم، من قبل موظفين عموميين، والغرض: انتزاع اعترافات، توقيع محاضر لم يطلعوا عليه، الانتقام منهم بنعتهم "أبناء السبليون، والأوباش"، تعرية أجسادهم، محاولة الاغتصاب، والتهديد به ... ألا يشكل مجرد نشر "فيديو" للزفزافي وهو شبه عاري تعذيب لدى السيدة الرئيسة ؟؟؟
إن المحاكمات الجماعية والانتقامية، ورفض جميع الدفوعات الشكلية وطلبات محامو الدفاع، يؤكد أننا لم نكن أمام محاكمة عادلة، بل "عقاب دولة" بكل مؤسساتها لمجموعة من الشباب الذين احتجوا سلميا من أجل مطالب مشروعة، لاعتبارات سياسية وتاريخية، فنحن أمام انتهاك جسيم لحقوق الإنسان وتعذيب ممنهج.

أختم، أنني أسجل استغرابي للتعريف الذي قدمته السيدة بوعياش لمفهوم التعذيب الممنهج، إذ اعتبرته هو انتزاع الاعتراف بشتى أنواع التعذيب، وهذا الخطأ لا يمكن أن يقع فيه مبتدأ في عالم حقوق الإنسان، فما بالك بما راكمته السيدة من خبرة كبيرة، معرفيا وميدانيا في مجال حماية حقوق الإنسان، فأتمنى أن تكون "زلتها" مقصودة، بوضع حد أدنى لانتهاكات سوء المعاملة، وسقفها التعذيب الممنهج.


**خبير حقوقي مغربي مقيم بباريس









تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مقارنة شكلية بين دستوري 2011 و1996

نظام الحكم في المغرب

قراءة في كتاب دستور 2011 بين السلطوية والديمقراطية، لحسن طارق وعبد العالي حامي الدين