امتحانات حقوقية للدولة.. الحسيمة السوريين والمهاجرين

يعرف المغرب ثلاث قضايا تشغل بال الرأي العام الوطني، وهي التظاهرات في الحسيمة، والسوريون العالقون على الحدود بين المغرب والجزائر وأخيرا تنامي خطاب العنصرية والكراهية ازاء المهاجرين من جنوب الصحراء على إثر حادثة مقتل مواطن مغربي بفاس.
كل هذه القضايا وان اختلفت سياقاتها وموضوعاتها إلا أنها تتقاطع في مساءلة البعد الحقوقي في تعاطي الدولة معها.
الحسيمة “الجريحة”:
منذ أزيد من ستة أشهر، وبالضبط بعد حادثة “طحن” محسن فكري في حاوية لجمع النفايات، تحولت الاحتجاج الذي شهدتها المنطقة من مطالب بالكشف عن حقيقة ما جرى ومتابعة المتهمين، الى مطالب ذات صبغة اجتماعية واقتصادية وحقوقية.
التظاهرات التي خرجت في مدينة الحسيمة كعنوان للمطالب وفي بعض المناطق المجاورة لها، كانت تتسم بطابعها السلمي والحضاري، باستثناء بعض الانزلاقات العادية التي يمكن أن تقع في أي حركة احتجاجية.
إلا أنه بتاريخ 15 ماي 2017، أجرى وزير الداخلية مع ممثلي احزاب الاغلبية اجتماعا، قام باطلاعهم على مستجدات الوضع بالمنطقة، مما جعل زعماء هذه الاحزاب تتسابق لتخوين المتظاهرين وبالصاقهم تهمة “الانفصال” والمساس بالوحدة الترابية.
وهنا نتسائل: ألم يكن الاجدر أن يكون الاجتماع تحت رئاسة رئيس الحكومة؟ أو برمجته في اجتماع مجلس الحكومة؟ أو التنسيق مع البرلمان؟ وما هو سبب باستثناء أحزاب المعارضة في البرلمان؟
من المنطلق الحقوقي الصرف فإن التظاهر السلمي ما لم يمسح بالمنشأت العامة أو الخاصة أو لم يعطل الحياة اليومية للمواطنات والمواطنين، فإنه مشروع. ومضمونه إذا كان مرتبط برفع معالم “عسكرة” المدينة، وانشاء بعض مؤسسات الخدمات الاجتماعية وتعبيد الطريق، فإنه أيضا مشروع بل وضروري لكونه تعبير عن حيوية المجتمع المدني المغربي، ويقظة المواطنين.
إن معالجة التظاهرات، يجب أن تبتدأ بحوار جدي ومسؤول مع كل المعنيين بالموضوع، وصولا إلى حل يأخذ بعين الاعتبار الابعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحقوقية.

السوريون “العالقون”:
حاول أزيد من 55 سوري، من بيهم 20 طفل، وامرأة حامل، الولوج الى المغرب عبر الحدود المغربية الجزائرية على مستوى مدينة فكيك، يومي 17 و18 أبريل الماضي، واستقر بهم الامر ببناء خيام والمكوث هناك بعد صدور بلاغ عن وزارة الخارجية المغربية يتهم الدولة الجزائرية بتورطها بترحليهم “عمدا” للمغرب، وأعقبه تصريح لوزير الخارجية المكلف بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة، عبد الكريم بنعتيق، بكون المغرب لن يتساهل مع شبكات الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية في موضوع هؤلاء السوريون العالقون.
إن الوضع الذي يعيشه هؤلاء السوريون العالقون على الحدود المغربية-الجزائرية يتسم بالهشاشة والكارثي في غياب أدنى مقومات كرامة الانسان، حيث يجاورهم الحيوانات الضارة وغياب المياه الصالحة للشرب وويقضون يومهم تحت أشعة الشمس.
لقد صادف مجيء هؤلاء السوريون مع تبني المغرب للسياسة الجديدة في مجال الهجرة ذات البعد الحقوقي والانساني،  في مقابل تنديد المنتظم الدولي بعمليات الترحيل القسري والطرد الذي تقوم به الدولة الجزائرية للمهاجرين غير الشرعيين.
في هذا السياق فإنه من المفروض على المغرب التعاطي مع هؤلاء السوريون بمقاربة انسانية وحقوقية أيضا، عوض لي الذراع للدولة الجزائرية التي أبانت عن انتهاكها لكل المواثيق الدولية في تعاملها مع المهاجرين غير النظاميين، كما أن مقولة “عدم قبول الامر الواقع” مع شبكات الاتجار بالبشر، هو قول مردود عليهم لان هؤلاء الناس ضحايا من درجتين، ضحايا الحرب التي يعرفها وطنهم سوريا، وضحايا أيضا “مافيا” الاتجار بالبشر، ولا يعقل ان يكون ضحايا للمرة الثالثة نتيجة تصلب موقف المغرب بدفاعه عن سيادته.

الإخوة” الافارقة من جنوب الصحراء:
أدى تورط مهاجرين غير نظاميين بقتل مواطن مغربي بمدينة فاس بطريقة بشعة، إلى تنامي خطاب الكراهية والعنصرية ازاء جميع المهاجرين، والدعوة الى طردهم.
إن واقعة القتل البشعة، لا يمكن أن تكون مصوغ لكره الاخوة الافارقة من جنوب الصحراء، لعدة أسباب، منها أن حوادث القتل يعرفها المغرب بشكل كبير ومتواتر (ونحن قي حاجة لمعالجة أسبابها وتداعيات) يرتكبها مغاربة ضد مغاربة، ومن حيث البشاعة هناك جرائم أكثر بشاعة من تلك الواقعة، من جهة أخرى فإن مجموعة من الأفارقة من جنوب الصحراء يساهمون في التنمية ببلادنا ولهم أدوار مهمة داخل المجتمع، وبالتالي فالحادثة التي تورط فيها ثلاث افارقة هي حادثة منفردة ومعزولة.
إن خطاب الكراهية والعنصرية الذي أصبح يجد له موقع قدم داخل المجتمع المغربي، المتسم بالتسامح وهويته الراسخة المستمدة من روافد عديدة منها الإفريقية، غير مقبول  ويجب أن يواجه بالتحسيس والتعبئة والتوعية وإن اقتضى الحال بالقانون.
إن المغرب مثله مثل باقي الدول ملتزم أمميا ووطنيا بمناهضة جميع أشكال التمييز العنصري، كما أنه لا يمكن تكرار نموذج اليمين المتطرف بأوربا في بلادنا، والذين يدعون الى طرد الافارقة جنوب الصحراء يسقط عليهم مثال “الذيب حلال ذيب حرام”، يرفضون خطاب ووعود اليمين المتطرف ويمارسون نفس الخطاب ويدعون بنفس المطالب.
في الختام، فالمغرب أمام امتحان جدي لقياس صبيب ارادته السياسية في التعاطي مع الملفات ذات الصبغة بحقوق الانسان.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مقارنة شكلية بين دستوري 2011 و1996

نظام الحكم في المغرب

قراءة في كتاب دستور 2011 بين السلطوية والديمقراطية، لحسن طارق وعبد العالي حامي الدين