المرأة بين العدالة والتنمية والدستور
المرأة
بين العدالة والتنمية والدستور
بمناسبة مناقشة تعديل المادة 20 و21 من مدونة الاسرة،
أثير نقاش بين مكونين من الائتلاف الحكومي برئاسة الاستاذ عبد الاله بن كيران، حول
إحالة موضوع النقاش بالسماح للقاضي بالترخيص للزواج من القاصر ما بين 16 سنة و18
سنة، أو القطع النهائي مع هذه الرخصة واعتبار جميع حالات الزواج تهم فقط الراشدين
والراشدات.
موضوع النقاش الدائر بين فريق العدالة والتنمية الذي
يطالب بإحالة الموضوع على المجلس العلمي الاعلى وفريق التقدم الديمقراطي الذي يطالب
بإحالته على المجلس الوطني لحقوق الانسان باعتباره الجهة المختصة في إبداء الرأي
في كل ما يتعلق بملائمة القوانين الوطنية مع التشريعات الدولية.
إن هذا النقاش يثير عدة ملاحظات:
أولا: في
الحكومات السابقة (خاصة حكومة الاستاذ اليوسفي) كان المغرب يعيش على مستوى تمارين الممارسة الديمقراطية، أما مع حكومة الاستاذ عبد الاله
بن كيران، فنحن نمارس تمارين تطبيق القانون بجميع مستوياته، وفي هذا الاطار لجوء
العدالة والتنمية للمجلس العلمي الاعلى يضعنا أمام ظهيرين، ظهير رقم 1.03.300
الصادر سنة 2004 المنظم لاختصاصات المجلس العلمي الاعلى، وظهير رقم 1.11.19 الصادر سنة 2011 المنظم لاختصاصات المجلس
الوطني لحقوق الانسان.
فظهير المجلس العلمي الاعلى في مادته الثالثة تعطي الحق للملك
وحده باللجوء للمجلس من أجل طلب دراسة قضية معينة، في حين ظهير المجلس الوطني
لحقوق الانسان في مادته 16 تعطي الحق للبرلمان والحكومة طلب الاستشارة من المجلس
في قضية تهم ملائمة القوانين مع التشريعات الدولية.
فلجوء العدالة والتنمية للمجلس العلمي الاعلى ليس له أي مصوغ قانوني، بل أنه يعطل الاليات القانونية الاخرى، ويدخل في مزايدات سياسوية ضيقة على حساب مؤسسات وطنية لها مصداقية عالمية من خلال مجلس التنسيق الدولي بجنيف، وهي أيضا مؤسسات استراتجية في بناء مستقبل المغرب.
فلجوء العدالة والتنمية للمجلس العلمي الاعلى ليس له أي مصوغ قانوني، بل أنه يعطل الاليات القانونية الاخرى، ويدخل في مزايدات سياسوية ضيقة على حساب مؤسسات وطنية لها مصداقية عالمية من خلال مجلس التنسيق الدولي بجنيف، وهي أيضا مؤسسات استراتجية في بناء مستقبل المغرب.
مما يطرح سؤال شرعية اللجوء الى المجلس العلمي الاعلى، وبأي
وسيلة سوف يطرق رئيس مجلس النواب بابه؟
ثانيا: لجوء العدالة والتنمية الى المجلس العلمي الاعلى ينم عن
عدم معرفة الحزب لتشكيل المجلس الوطني لحقوق الانسان والخاضعة لمعايير وإعلان
مبادئ باريس،حيث من شروط هذه المعايير تمثلية المؤسسات الدينية، وفي المغرب الممثل
الوحيد للرأي الاسلامي هو المجلس الأعلى العلمي والمتواجد في المجلس الوطني لحقوق
الانسان بصفته كمجلس والمنصوص عليها في الظهير وليس بصفة الافراد. وبالتالي الاراء
التي يصدرها المجلس الوطني لحقوق الانسان تكون منسجمة مع التوجهات التي تحكم
المجلس العلمي، لعل أدل على ذلك أنه لم يعترض يوما ما في أي رأي أو مذكرة أو تقرير
أصدره المجلس الوطني لحقوق الانسان بما
فيها رأيه المتعلق بمنع تشغيل الاطفال والفتيات في المنازل دون سن 18 سنة.
وهنا تثار إشكالية وجود مؤسسات الحكامة وحقوق الانسان والتشاركية
في الهندسة الدستورية، هل وجودها صوري وشكلي حيث كلما أثير موضوع يهم السياسات
العمومية أو مجال الحقوق والحريات، يطالب حزب رئيس الحكومة باللجوء الى المجلس
العلمي أويتم تجاهل وجودها أصلا. ألا يعد ذلك ضرب بعرض الحائط كل المقتضايات
الدستورية الجديدة؟
ثالثا: موضوعة حقوق المرأة ليست قضية معزولة
أو منفصلة بل هي جزء من النقاش حول المشروع المجتمعي الذي يريد المغاربة، والذي لم
يحسم فيه دستور 2011، الذي طغى عليه ترضية الخواطر وإغراقه في التوافقات، حيث
لازلت الهوية الجامعة مشتت بين مرتكزاتها الثلاثة: العربية الاسلامية والامازيغية
والصحراوية الحسانية، وبين الهويات الثانوية كروافد وهي: الاندلسية والعبرية
والافريقية والمتوسطية، مع تبوأ الدين الاسلامي مكانة الصدارة فيها.
تبوء الدين الاسلامي الصادرة ثير تساؤولات، هل الفكر الديني
الاسلامي اليوم بمنطق ما أصدر من المجلس العلمي الاعلى سابقا وبطلب من المندوبية
الوزارية المكلفة بحقوق الانسان في إطار إعدادها للتقرير الوطني الخاص بالعهد
الدولي للحقوق المدنية والسياسية والمتعلق ب "قتل المرتد" في إطار حرية
المعتقد. أم الفكر الديني الاسلامي بمنطق خطبة الجمعة التي ألقيت في نفس الاسبوع
بتاريخ 19 أبريل 2013 وحضرها أمير المؤمنين بمسجد "أحد" بأسفي، حيث أكد الخطيب أن:
"الإنسان حر لأنه لو لم يكن كذلك لما كان مسؤولا عن
أعماله"٬ موضحا في الوقت ذاته أن حرية الإنسان لا تعني أن أفعاله غير مخلوقة
من الله تعالى" وأضاف "مقام الحرية في الإسلام يبلغ في الأهمية وسلم الأولويات
مقام الحياة، التي هي اجتماع علاقة الإنسان بكينونته في هذه الدنيا٬ وذكر بالحريات
الفردية والجماعية التي قررها الإسلام، كحرية التدين والاعتقاد وحرية الرأي
والتعبير٬ وحرية التمليك والتملك".
رابعا: لجوء فريق العدالة والتنمية ومن وراءه حزبه الى المجلس
العلمي الاعلى يعودنا بنا الى ما قبل مدونة الاسرة ويتجاوز خطاب الملك 10 أكتوبر
2003 الذي قال جاء فيه "فإن
نظرنا السديد ارتأى أن يعرض مشروع مدونة الأسرة على البرلمان، لأول مرة، لما
يتضمنه من التزامات مدنية، علما بأن مقتضياته الشرعية هي من اختصاص أمير المؤمنين"،
وبالتالي المجال الشرعي يبقى من اختصاص أمير المؤمنين وما على الفرق البرلمانية
سوى الانكباب على المجال المدني، فإثارة العدالة والتنمية لموضوع لاختصاص المجلس
العلمي الاعلى هو إثارة مجال "الشرعي" الذي ليس من اختصاصه.
فالمسطرة
التشريعية لجميع القوانين تسمح بتدخل الملك سواء من خلال احالته أي مشروع أو مقترح
قانون على المحكمة الدستورية أو بطالب إعادة القراءة الثانية من قبل البرلمان، مما
يعني أن الملك لم يتم تجاوز بعد في المسطرة التشريعية، وإذا ما تبين أن هناك ما
يدخل في مجاله الديني والشرعي يمكنه من تلقاء ذاته تحريك الاليات الدستورية
والقانونية.
فتوكيل
العدالة والتنمية نفسها وصية على المجال الشرعي لأمير المؤمنين غير ذي معنى
دستوريا وقانونيا.
خامسا: الحركة النسائية التي ناضلت من
أجل انضمام المغرب الى الاتفاقية الاساسية ذات الصلة بالمرأة، وفي فترة معينة
أصبحت تناضل من أجل ملائمة القوانين الوطنية مع هذه الاتفاقيات الدولية، أضحت
اليوم ومنذ سنة 2012 مع حكومة الاستاذ عبد الاله بنكيران مكرهة بالاشتغال بمقاربة
الدفاع على المصادقة، ويتبن ذلك من خلال التقرير الذي أصدرته اللجنة المعنية
بمناهضة التعذيب بدجنبر 2011 بعد تقديم المغرب لتقرير في أكتوبر من نفس السنة،
والتي دعت في فقرته 23 الدولة المغربية الى إلغاء التشريعات التي تسمح بالافلات من
العقاب المغتصب من خلال الزواج، ولكن الحكومة المغربية انتظرت شهور قليلة لتقدم
أمينة الفيلالي نفسها قربانا للمادة 475 من القانون الجنائي، الذي تجاهلته الحكومة
وتجاهلت التوصية الاممية، ويمكن العودة الى تصريحا وزير العدل الاستاذ مصطفى
الرميد الذي حاول التمييز بين التغرير والاغتصاب، ولكن اليوم بعد تعديل الفقرة
الثانية من نفس المادة يعد انتصار للحركة النسائية وللمرجعية الدولية.
والمثير في نفس التوصية الصادرة عن لجنة مناهضة
التعذيب، وفي نفس الفقرة أي 23، تحدثت عن غياب أي إطار قانوني يجرم الاغتصاب
الزوجي، وطالبت المغرب بأن يسن قانونا جديدا "يجعل اعتصاب الزوج لزوجته
جريمة" ويقدم معطيات وأرقام تخص الموضوع، فهل ننتظر ضحية أخرى مثل أمينة
الفيلالي حتى تستفيق الحكومة وتضع مثل هذا القانون.
وفي نفس موضوع الالتزامات المغربية
أمام المنتظم الدولي، وفي هذا الاطار اتفاقية حقوق الطفل، حيث طالبت اللجنة
الاممية لحقوق الطفل من المغرب في تقرير يهم الاسئلة العالقة بتاريخ 18 فبراير
2014، أن يتحمل مسؤوليته إزاء الاطفال الذين يولدون خارج العلاقة الزوجية، فكيف
يمكن أن تعترف الحكومة بحقوق هذا الطفل حتى يتمكن من ممارسة حقه في التعليم والصحة
والترفيه ... دون الاعتراف بالعلاقة السببية، ومن خلالها ضرورة تعديل القانون
الجنائي من أجل الحق في العلاقات الجنسية الرضائية.
المغرب لا يعيش في جزيرة معزولة عن
العالم، بل هو مكون من مكونات المنتظم الدولي وعليه التزامات دولية وشراكات متعددة
خاصة مع الاتحاد الاوربي في وضعه المتقدم والشريك من أجل الديمقراطية مع مجلس
أوربا. وبالتالي فحقوق المرأة والديمقراطية والكرامة والعدالة والمساواة آتية لا
ريب فيها، بقي فقط زمن تحقق ذلك، والزمن كلما طال كلما كانت التكلفة باهضة.
تعليقات