الفصل 42 وعودة دستور 1996


الفصل 42 وعودة دستور 1996

فاجأ حزب الاستقلال إخوته الأعداء في الأغلبية الحكومية من خلال إعلان مجلسه الوطني قرار الانسحاب من التحالف الحكومي، وتقديمه لمذكرة إلى الملك باعتباره رئيسا للدولة، وفق مقتضيات الفصل 42 من دستور 2011.
آلاف الشباب خرجوا في تظاهرات جابت جل مدن المغرب، تطالب بدستور جديد يقوم محل دستور 1996، ويؤسس لمبادئ الملكية البرلمانية، باعتبارها الحل الوحيد للتوفيق بين الديمقراطية المبنية على صناديق الاقتراع والملكية المبنية على الوراثة.
صوتت شريحة مهمة من المواطنات والمواطنين على دستور فاتح يوليوز 2011، وانقسمت القراءات حوله، بين من يرى أنه مجرد مبادئ عامة في اتجاه التدرج نحو الفكرة البرلمانية من خلال ضمانات خطاب تاسع مارس 2011، وبين جزء آخر اعتبره دستورا متقدما على الدساتير السابقة، وكاف لشعب لازالت آليات الوساطة فيه، من أحزاب ونخب، "معطلة".
انتقل التنافس بين أصحاب "الفكرة البرلمانية" في محاولة لتفسير وإعمال الدستور انطلاقا من "الخيار الديمقراطي، الضمان القوي، والأساس المتين، لتوافق تاريخي، يشكل ميثاقا جديدا بين العرش والشعب"، واعتبار خطاب تاسع مارس كحد أدنى، وكمنطلق لمسلسل الإصلاح السياسي، وهذا الدستور تجاوب مع المرتكزات السبعة، وتطبيقه اليوم خاضع للمرتكز الثامن الذي قاله عنه الملك "الاجتهاد الخلاق، لاقتراح منظومة دستورية متقدمة لمغرب الحاضر والمستقبل". وبين أصحاب "الفكرة الرئاسية"، التي ترى أن الانتقاص من صلاحيات الملك، هو مساس بوجودها وبهويتها،  وبالتالي خطاب تاسع مارس هو السقف الذي لا يمكن تجاوزه، وكل اجتهاد يجب أن يبقى في حدود الحفاظ على روح ومنطوق وفلسفة السلطة التي أطرت كل الدساتير السابقة، وأننا لسنا بحاجة إلى أي "ميثاق جديد بين العرش والشعب".
فالميثاق قديم ولا تجديد فيه، هو ميثاق مبني على البيعة التي هي على عاتق ملوك المغرب، وما الدساتير إلا أشكال تقنية صرفة لهذا البعد التعاقدي الشامل.
وفي هذا الإطار كان الفصل 19 من الدساتير السابقة، لا يمثل فصلا عاديا، بقدر ما كان بمثابة "الوقود الايديولوجي" لكل الفصول الأخرى، حتى لُقب ب"دستور داخل الدستور". فكان حريا أن تُرفع شعارات تطالب بحذف هذا الفصل أو على الأقل تعديله ليأخذ حجمه الطبيعي داخل الهندسة الدستورية.
إن المشرع الدستوري، أو السلطة التأسيسية الأصلية (المتمثلة في الملك) ارتئ الخيار الثاني، أي تعديل الفصل 19 على مستويين:
مستوى الشكل، حيث انتقل من الباب الثاني في كل الدساتير السابقة إلى الباب الثالث مع دستور 2011، وتغيير رقمه من 19 إلى فصلين هما  41 و42.
 مستوى المضمون،حيث اقتصرت صفة "الملك أمير المؤمنين" على المجال الديني الصرف، والملك كرئيس للدولة ينحصر مجال تدخله في البعد الرمزي والتحكيمي بين المؤسسات، ويتدخل في حالة نشوب شائبة من شأنها تعطيل دوام الدولة واستمرارها، أو تهديد الحريات والحقوق أو استقلال البلاد وأمنها.
في هذا الإطار فإن لجوء حزب الاستقلال مباشرة إلى الفصل 42 من الدستور، هو بمثابة قتل حقيقي (في حالة تجاوب الملك مع مذكرة الاستقلاليين) للفكرة البرلمانية، وعودة إلى دستور 1996 روحا ومنطوقا، لصالح انتصار أصحاب الفكرة الرئاسية، وهو ايضا إخلال  بالتعاقد السياسي الجديد كما حدده خطاب تاسع مارس 2011، حيث يجعل فئة كبيرة من الشباب والفاعلين السياسين الذين عقدوا آمالا كثيرة على هذا الخطاب أمام "خدعة مخزنية" محظة.
وفي هذا لإاطار يمكن تقديم ملاحظات بخصوص الموضوع:
أولا: انسحاب حزب الاستقلال من الائتلاف الحكومي، لا يشكل أزمة دستورية أو أزمة سياسية تقتضي تحكيما ملكيا، بل هي "توثر" أو"اضطراب" داخل الأغلبية الحكومية، ولا يرقى حتى إلى مستوى الأزمة الحكومية؛
ثانيا: توجد أدوات دستورية متعددة يمكن أن يلجأ إليها البرلمان أو الحكومة من أجل حل هذا الإشكال، في حالة فقدان الحكومة لأغلبيتها، أو فقد البرلمان لثقته في الحكومة، وهذا تمرين بسيط يبقى في مستوى الفاعلين ولا يمس بالسير العادي للمؤسسات، يدعو أن يكون الملك حكما أسمى بينهما.
ثالثا: نعيش توترا بين حزب الاستقلال ورئاسة الحكومة، وهو أمر عادي، في ظل وجود زعامة جديدة لحزب الميزان، يقتضي بالضرورة وجود وزراء يتبعون رؤيتها وتوجهاتها الجديدة، مما يعني أننا لم نصل إلى توتر بين مؤسسات الدولة،  يمكن للملك أن يتدخل لاحتواء الأزمة؛
رابعا: من شأن ممارسة الملك لاختصاصاته الدستورية بحل مجلس النواب، أو إعفاء وزراء حزب الاستقلال بعد استشارة رئيس الحكومة، وأن يفتح المجال في الأفق لكل حزب يرتضي الانسحاب أو الدخول إلى الحكومة، أن يقدم مذكرة للملك بشأن ذلك، وهذه السابقة تولد لاحقات من بعدها؛
خامسا: كان الفصل 19 في دستور 1996 منتجا لمجموعة من المؤسسات المرتبطة بالحريات العامة، والتشريعات المرتبطة بحقوق المرأة والحقوق الثقافية. وحقيقة، فهذه المكتسبات ما كانت لتكون لولا الفصل 19، ولكن في نفس الوقت، كان الفصل 19 يقتل التوجه الديمقراطي، ويهمش المؤسسات، التي خرج مجموعة من الشباب يطالب بحلها. لذلك فمن شأن إعمال الفصل 42 من دستور 2011 قتل فكرة الخيار الديمقراطي، وتهميش المؤسسات وعلى رأسها رئاسة الحكومة والبرلمان، مما ينتج لنا  من جديد الفصل 19 ولكن بحلة جديدة.
اليوم نحن لسنا في حاجة الى دستور على المقاس الشخصي أو الحزبي، بل دستور المؤسسات، ولا نريد دستور فوق عربة ويحمل مظلة أو دستور بلحية أو "موسطاش" بل دستور الخيار الديمقراطي.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مقارنة شكلية بين دستوري 2011 و1996

نظام الحكم في المغرب

قراءة في كتاب دستور 2011 بين السلطوية والديمقراطية، لحسن طارق وعبد العالي حامي الدين