المهدي بنبركة الذي لازال حيا بيننا
أثير ملف المهدي بن بركة مؤخرا من قبل السيد "مصطفى الرميد"،
الرئيس السابق ل"منتدى الكرامة لحقوق الإنسان"، ووزير "العدل
والحريات" حاليا، بخصوص عدم أولية ملف الشهيد "المهدي بنبركة"،
الذي اختطف من قلب العاصمة الباريسية سنة 1965 ، ضمن أجندة الحكومة الحالية.
تصريح السيد الرميد، جاء بين زمنين متفرقين، ولكنهما يثيران الكثير الأسئلة:
الزمن الأول، قبيل تصريح
السيد الوزير، صدر بالجريدة الرسمية بتاريخ 12 دجنبر 2011، اتفاقية التعاون
القضائي في الميدان الجنائي بين حكومة المملكة المغربية وحكومة الجمهورية
الفرنسية، الموقعة بالرباط بتاريخ 18 أبريل 2008، أي عندما كان السيد عبد الواحد
الراضي الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، وزيرا للعدل، قيل حينها أن الوزير
الاتحادي وقع على "غلق" البحث عن ملف "المهدي بنبركة" في
أرشيف دولة فرنسا؛
الزمن الثاني، بعيد تصريح السيد الوزير، برغبة الدولة المغربية المصادقة
على "الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري"، الذي كان
المغرب من بين الدول التي صاغت الاتفاقية ووقعها سنة 2006، دون أن يصادق عليها؛
ثلاثة محطات رئيسية في ظرف أقل من ثلاثة أشهر، سجلت دون أن تثير ردود فعل
رفاق الشهيد "المهدي" للتحرك من معرفة حقيقة ما جرى ل"عريس الشهداء"،
كما وقع سابقا مع السيد حميد شباط، عندما اتهم الشهيد "المهدي بنبركة"
بقتل الوطنيين ومن بينهم اغتيال "عباس المساعدي" وصرح بتحريك الملف أمام
المحكمة الجنائية الدولية (رغم أن المغرب لم يصادق بعد على النظام الأساسي لروما،
لغباء المبادرة)، باستثناء مبادرة محتشمة من النائب البرلماني السيد "حسن طارق"
الذي نشر مؤخرا على موقعه في الفسيبوك بطرحه "سؤالا" على وزير "العدل
والحريات" بخصوص الموضوع.
عموما قضية المهدي بن بركة ليست فضية عائلته أو حزبه ولكنها قضية تاريخ أمة
ومصير مشروع العدالة الانتقالية التي دشنها المغرب من خلال تجربة هيئة "الإنصاف
والمصالحة".
فالكشف عن حقيقة اختطاف واختفاء القسري للمهدي بنبركة، حظيت بمباركة أعلى
سلطة في البلاد، من خلال اعتمادها على توصيات هيئة "الإنصاف والمصالحة"،
والتي أحالت بدورها 66 حالة على "لجنة المتابعة" ب"المجلس
الاستشاري لحقوق الإنسان" لمتابعة التحريات حول مصيرهم، وقد تم تشكيل لجنة
خاصة للتحري بخصوص اختفاء جثة "المهدي بنبركة" بعد اختطافه وتصفيته
بفرنسا.
فأصدرت "لجنة المتابعة" تقريرا سنة 2009، حول تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف
والمصالحة، وخص الملحق الأول (سنة 2010) بالاختفاء القسري، حيث تم الكشف عن مصير
جميع الحالات الستة والستون باستثناء "تسعة حالات" بقية معلقة وأدرجت في
الباب السادس ك"حالات عالقة"، ومن أهم توصيات "لجنة المتابعة"
بخصوص ملف "المهدي بنبركة" تتمثل جاءت كالتالي: " بعد تقييمها للعمل الذي قامت به
هيئة الإنصاف والمصالحة واللجنة الخاصة المنشأة، إلى تبني نفس القناعة التي خلصت
إليها هيئة الإنصاف والمصالحة والمتمثلة في ضرورة استمرار السلطات العمومية في
المساهمة في الكشف عن الحقيقة بخصوص هذا الملف وتسهيل كل الجهود المبذولة في مجال
الانابات القضائية المتعلقة به".
أما بخصوص انضمام المغرب لاتفاقية الدولية "لحماية الأشخاص من
الاختفاء القسري"، التي بشرنا به السيد الوزير، فيجب أن نذكر أن المغرب قد
اعتمد منذ سنوات "إعلان حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري" الذي
اعتمد في الجمعية العامة للأمم المتحدة في دجنبر 1992، والذي يقضي في مادته 13 في
الفقرة السادسة على كون " يجب أن يكون من الممكن دائما إجراء التحقيق، ما دام
مصير ضحية الاختفاء القسري لم يتضح بعد"، ويضيف في المادة 17 في الفقرتين الأولى
والثانية: " يعتبر كل عمل من أعمال الاختفاء القسري جريمة مستمرة باستمرار
مرتكبيها في التكتم على مصير ضحية الاختفاء ومكان إخفائه، وما دامت هذه الوقائع قد
ظلت بغير توضيح. و إذا أوقف العمل بسبل التظلم المنصوص عليها في المادة 2 من العهد
الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، يوقف سريان أحكام التقادم المتصلة بأعمال
الاختفاء القسري إلى حين إعادة العمل لتلك السبل".
وفيما يتعلق بالاتفاقية "الدولية لحماية الأشخاص
من الاختفاء القسري" الذي اعتمدتها الأمم المتحدة سنة 2006، فتنص صراحة في
المادة 24 على كون " لكل ضحية (يقصد ب ”الضحية“ الشخص المختفي وكل شخص طبيعي
لحق به ضرر مباشر من جراء هذا الاختفاء القسري) الحق في معرفة الحقيقة عن ظروف
الاختفاء القسري، وسير التحقيق ونتائجه ومصير الشخص المختفي. وتتخذ كل دولة طرف
التدابير الملائمة في هذا الصدد، وتتخذ كل دولة طرف التدابير الملائمة للبحث عن
الأشخاص المختفين وتحديد أماكن وجودهم وإخلاء سبيلهم، وفي حالة وفاتهم لتحديد
أماكن وجود رفاتهم واحترامها وإعادتها". وتضيف الاتفاقية في المادة 29 "تقدم كل دولة
طرف إلى اللجنة، عن طريق الأمين العام للأمم المتحدة، تقريرا عن التدابير التي
اتخذتها لتنفيذ التزاماتها بموجب هذه الاتفاقية في غضون سنتين من بدء نفاذ هذه
الاتفاقية بالنسبة للدولة الطرف المعنية."
من خلال ما سبق، توصيات هيئة "الإنصاف
والمصالحة"، وتقارير "لجنة المتابعة" و"إعلان حماية جميع
الأشخاص من الاختفاء القسري"، و"الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص
من الاختفاء القسري":
1 قضية المهدي بن بركة لازالت مفتوحة، والكشف عن الحقيقة مسؤولية جميع
السلطات العمومية والمدنية وغير خاضعة لمبدأ التقادم؛
2 قضية المهدي بن بركة من أولويات الحكومة الحالية، من أجل تصفية مخلفات
ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ولا يمكن قبر ملف "الشهيد
المهدي" والحالات العالقة الأخرى في الماضي، بالهروب للأمام؛
3 قضية المهدي بن بركة قضية إرادة الدولة وامتحان لها في تنفيذ جميع توصيات
هيئة الإنصاف والمصالحة؛
4 قضية المهدي بن بركة تجسد جرائم ضد الإنسانية وتصنف بكونها أبشع الجرائم،
التي تقتضي بالضرورة إدراجها في القانون الجنائي وعدم التساهل مع مرتكبيها؛
5 قضية المهدي بن بركة، ليست قضية عائلة أو قضية حزب، بل قضية
"ضحية" اسمه الشعب المغربي في معرفة ذاكرته وتاريخ ماضيه؛
تعليقات