لثورات الديمقراطيّة العربية: تفاعلات الراهن وتحّديات المستقبل

لثورات الديمقراطيّة العربية: تفاعلات الراهن وتحّديات المستقبل



دوة من إعداد وتقديم: عبد الحق لَبْيَض. المشاركون: نجية ملاك،

محمد العوني، عبد الكريم كريبي، عزيز إدامين




عبد الحقّ لَبْيَض: باسم الآداب أرحّب بالأساتذة المساهمين معنا في هذه الندوة الراصدة للحراك الديمقراطيّ الذي تعيشه شعوبُنا في أفق البحث عن أوضاع مغايرةٍ للقائم، ومخترقةٍ للجمود الذي طبع المبادرات الشعبيّة عقودًا.
ما يقع اليوم في العديد من الأقطار العربيّة سابقٌ على كلّ الجهاز النظريّ الذي تنتظم حوله منظومةُ الفكر العربيّ التي كانت، حتى الأمس القريب جدًا، غارقةً في تحليلاتها الفوقيّة لمسارات الشعوب وتمفصلات بنياتها الذهنيّة. ولقد فَرضتْ علينا ديناميّةُ الشعوب وانتفاضاتُها تحريرَ فكرنا من المقولات الجاهزة، والعملَ بجدّ على استكشاف مفرداتٍ تحليليّةٍ جديدة. ونودّ هنا أن نساهم في وضع أسس مقاربةٍ موضوعيّةٍ، نقديّةٍ، لما يجري في عالمنا العربيّ من ديناميّة احتجاجيّة وثوريّة. وأقترح عليكم محورين: في الأول نحاول تقديم قراءة في أسباب الثورات الديمقراطيّة العربيّة؛ وفي الثاني نقارب خصوصيّة الحراك الشبابيّ في المغرب (و"حركة شباب 20 فبراير" بشكل محدّد)، والموقف من العرض الإصلاحيّ الذي قدّمه الملك في خطاب 9 مارس.

المحور الأول : قراءة في أسباب الثورات الديمقراطيّة العربيّة

نجية ملاك: إذا كنا نعيش اليوم حالة زهو تنقلنا من اليأس إلى الأمل المفتوح على المستقبل، فإننا لا ندّعي أننا فهمنا بشكلٍ حاسمٍ ما يعتمل في ساحتنا من أحداث، خاصةً مع حالة ليبيا الآن. ومن الطبيعيّ أن تحاصرنا الأسئلة القلقة التي تجعلنا حذرين في تفاؤلنا بهذه اللحظة الفارقة. فهل ثمة مخطّط يسعى، بأساليب وأدوات جديدة، إلى تحقيق الإستراتيجيّة الغربيّة في منطقتنا؛ مخطّط يستجيب رغبةَ الغرب في التخلّص من أنظمةٍ شاخت وترهّلت، فيعمل على تعويضها بأنظمة ديمقراطيّة؟ أمْ أنّ هذه الثورات وليدةُ مخاض داخليّ لم يُلتفتْ إليها بجدّيّة في لحظات الوجع التاريخي الدفينة، ففاجأت الأنظمة والأحزاب وفعّاليّات المجتمع المدنيّ ومراكز القرار والبحث والدراسات والاستخبارات الغربيّة؟
ولأنّ هذه الثورات الديمقراطية ما زالت في طور التشكّل، فإنّ سؤال النظام السياسيّ الذي سينبثق عنها مازال هو كذلك مبهمًا ومحطّ توجّس. لكنّ ما أستطيع الحسم فيه الآن هو أنها لن تفضي إلى أسوإ ممّا كان!

لبيض: ...لكنّ كل ثورة، مهما غرقتْ في محليتها، تتأثّر بالمحيط الكونيّ. والعالم، منذ تسعينيّات القرن الفائت، يعيش "عصر الثورات الديمقراطيّة،" ولا نعتقد أنّ العالم العربيّ بمنأًى عن التيّارات الديمقراطيّة الجارفة. نضيف إلى ذلك ما عشناه من تحوّلاتٍ عميقة بعد الحرب على العراق واحتلاله، ما أدّى إلى بروز قوى إقليميّةٍ عديدة من خارج المنظومة العربيّة أصبح لها نفوذٌ على مصير قضايانا العربيّة من دون أن تكون لنا أيّة إرادة في تدبير المرحلة. أفلا يمكن أن يكون لهذه العوامل وغيرها تأثيرٌ في مساحات التفكير لدى فئات عديدة من شعوبنا العربيّة، التي أتاح لها التعليمُ والانفتاحُ على المنجز الحضاريّ الغربيّ، من خلال استغلالٍ ذكيّ للوسائط المعلوماتيّة، إمكانيّةَ تطوير أنماط سلوكها ورؤاها؟

نجية ملاك: لا يمْكننا تجاهلُ آثار العولمة والتحوّلات الدوليّة في أوضاعنا العربيّة، وما خلّفته من مقاومة لدى الشعوب. فالحالة الدوليّة تتّسم برغبة إخضاع العالم لنوع من التدمير، ولإعادة تشكيله بغاية سيادة الليبراليّة، وجعله منقادًا لاعتبارات السوق عبر آليّات "تيسير الاندماج" في الهندسة الجيوسياسيّة الدوليّة بقيادة أميركا وحلفائها. كلّ ذلك تمّ بسبب تخلّي الدول العربيّة، ومنها المغرب، عن دورها الاستثماريّ والاجتماعيّ كدولةٍ راعية، واعتمادها غير المعقلن على سياسة الخوصصة التي طالت المرفقَ العموميّ وشبه العموميّ، تنفيذًا لتوجيهات المؤسّسات الماليّة العالميّة، وهو ما أدّى إلى تأزيم الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة في هذه الدول.
لكن ما حدث في العالم العربيّ، ويحدث الآن، وقد سيحدث في دول جنوبيّة أخرى غير عربية، يؤكّد أطروحة محدوديّة العولمة في تدمير خصوصيّات الأمم وتميّزها الثقافيّ والتاريخي. فهذه الشعوب ملّت صبرَها واستسلامَها، فشكّلتْ صحوةُ تونس الرائعة ثورةَ الانطلاق التي حرّكت الوجدانَ العربيّ؛ كما بيّنت ثورةُ مصر الراقية أنّ الجبابرة ـ مهما تجبّروا والتحموا بالمشاريع الأجنبيّة ـ غير قادرين على مواجهة طوفان الجماهير الغاضبة.

محمد العوني: ما يميِّز الثورات هو عنصرُ المفاجأة، ما يجعل منها حدثًا خارج إيقاع الزمن الرتيب والاعتياديّ. والثورة ما سُمّيت كذلك إلا لأنها انقلاب على أوضاع مرتّبة داخل سيرورةٍ زمنيّةٍ محكمةِ البناء والقواعد، ومؤسّسة على رقابةٍ لحركيّتها واتجاهاتها. لهذا فإنّ السيرورة الزمنيّة التي كانت تضبط إيقاعَ الواقع العربيّ وصمته بالركود والسلبيّة، وعكستْ ذلك على إرادة المواطن العربيّ في تعاطيه مع أوضاعه المأزومة والمحبِطة. لهذا فما إنْ قامت هذه الثورات منتفضةً على نسقها الزمنيّ المعتاد حتى أثارت حولها الكثير من التساؤلات والشكوك حول بواعثها وغاياتها ـ وكلّها تبدو مقبولة إلى حدٍّ ما بسبب حجم الصدمة الإيجابيّة التي أحدثتها الثورات المذكورة لدى الفاعلين والمتتبّعين وعموم المواطنين العرب.
وإذا كانت سمةُ الثورات هي المفاجأة، فبإمكاننا القول إنّ الجديد في مفاجأة الديناميّة الثوريّة العربيّة هو أنها جاءت أكثر فجائيّةً. وليس ذلك بسببٍ كامنٍ فيها، وإنما هو كامنٌ في تغيّر مفهوم الزمن في عصرنا الحاليّ، إذ أصبحت الدقيقة تتمتّع بقوّة السحر الخارق في قلب الموازين بفضل تطوّر وسائط الاتصال وتطوّر تثمين الزمن بقدْره الماليّ والنفعيّ.
إننا نعيش اليوم، بفضل التطوّرات الثوريّة العربيّة المتسارعة، صناعة التاريخ أمام أعيننا. فقد عاشت بلدانٌ من العالم، في الفترة الأخيرة، حالاتٍ مشابهة، لكنها ليست مماثلةً لهذا الوضع: فقد تابعنا الاحتلالَ في العراق عبر القنوات الفضائيّة، لكنها لم تكن تشبه متابعتنا اليوم لما يحدث من ديناميكيّة ثوريّة في بعض البلدان العربيّة؛ وعشنا الحربَ في البلقان، والثورةَ في جورجيا وأوكرانيا، لكنْ ليس بالإيقاع ذاته ولا الصيغة نفسها. ففي الحالة الثوريّة العربيّة التقت عدّةُ عوامل مرتبطة بواسطة الاتصال أساسًا، ما جعل من صناعة التاريخ عمليّةً أقربَ ما تكون إلى "الفرجة" ومتابعة المسلسلات اليوميّة. فالناس منذ ثورتيْ تونس ومصر يتابعون الأحداث، وقد تركّز في أذهانهم نوعٌ من السيناريو الموحّد الذي يبدأ ليتفرّع إلى أحداثٍ تبدو متماثلةً، في انتظار لحظة انفجار العقدة المؤدّية إلى الخاتمة المتوقّعة، كما يحدث في الأفلام العربيّة الكلاسيكيّة. وهذا المعطى الإعلاميّ المتميّز لأحداث الديناميّة الثوريّة العربيّة أعطاها سمةً زمنيّةً سريعةً وكأنّها هي كذلك تخضع لزمنيّة تلقّيها عبر الوسائط المعلوماتيّة والإعلاميّة!
لكنْ علينا ألا نضخّم خصوصيّة تميّز هذه الديناميّة. ذلك لأنّ الثورة في النهاية تقع عندما يحصل ذلك المنعطفُ التاريخيُّ الذي تكون من مسؤوليّاته الجوهريّة والفوريّة قلبُ الوضع السابق، وجعلُ الماضي ضئيلاُ داخل دائرة الاتجاه نحو المستقبل. وأعتقد أنّ هذا هو ما تسعى الثوراتُ العربيّة الديمقراطيّة إلى صنعه.

لبيض: عندما تذكر، يا أخ محمد، عبارة "دائرة الاتجاه نحو المستقبل،" فأنت تضع أصبعك على المشكل القائم الآن. فغياب التأطير الفكريّ والإيديولوجيّ لحركات الاحتجاج الشعبيّ العربيّ يَطرح معضلة مستقبل هذه الحركات، خصوصًا وأنّها تكتفي بتأسيس فعلها الاحتجاجيّ على مبدإ تحطيم بنيان نظام سياسي من دون أن تطرح بديلاً سياسيًا آخر. فهل سيشكّل هذا الغيابُ أحدَ معوِّقات الفعل الثوريّ العربيّ، والحدّ من امتداداته الشعبيّة مستقبلاً، أو الحدِّ من فعّاليّته في مستويات التغيير الهيكليّ لجوهر الأنظمة وقواعد بنيانها العتيدة؟

العوني: المؤكّد أنّ المنطقة العربيّة دَخلتْ سيرورة الانتقال نحو الديمقراطيّة. أما كيف ستتبلور هذه السيرورة، فذلك ما لا يمْكننا حسمُ الإجابة عليه لمعرفتنا أنّ التاريخ لا يسير في مساراتٍ مستقيمةٍ وواضحة . ما هو واضحٌ اليوم هو أنّ هذه الثورات تسعى إلى تقديم إجاباتٍ ضمنيّةٍ تؤكّد أنّ وضع العالم العربيّ لم يعد يستقيم مع الاتجاه العامّ في العالم نحو التقدّم وإقامة التوازن بين المصالح داخل المجتمعات.
قلت إنّ المنطقة العربيّة دخلتْ سيرورة الانتقال نحو الديمقراطيّة. وهذا يعني أنها لا يمكنها أن تنتمي إلى الموجة الثالثة للديمقراطيّة التي وقعتْ في أميركا الجنوبيّة، ولا إلى الموجة الثانية التي كانت قد وقعتْ في أوروبا الشرقية. فما نعيشه في العالم العربي هو نوعٌ من الانتقال إلى وضع جديد، نتمنّى ألاّ تطول مدّتُه كثيرًا: إنه وضعُ الانتقال نحو الديمقراطيّة، لا وضعُ الانتقال الديمقراطيّ. ونتمنّى أن تتحقّق شروطُ الفعل المتجذّر والمرتبط بالبرامج والأبعاد الحقيقيّة والفعّالة التي تجعل من اختصار الزمن مسألةً ممكنةً وجوهريّةً لصالح ديناميّة التغيير ولتقليص كلفة التغيير.

عبد الكريم كريبي: ما حصل في العالم العربيّ يثْبت عكسَ مضمون المقولة الشهيرة التي تقول بـ "تفاؤل الإرادة وتشاؤم العقل"؛ فالتحليل الهادئ كان يؤكّد أنّ الأوضاع لن تظلّ على حالها، لكنّ الإرادة هي التي كانت تعيش حالاتٍ من الإحباط والتشاؤم.
هناك مجموعة من الأسباب كانت وراء انطلاق شرارة الثورات الديمقراطيّة، من بينها:
1) الشروط الداخليّة، ممثّلةً في الضغط الاقتصاديّ والاجتماعيّ والسياسيّ. 2) تنوّع الفئات المساهمة في هذه الديناميّة الثورية. فلقد بدأت الديناميّة بفئة الشباب، لكنْ ما لبثتْ أن احتضنتها فئاتٌ أخرى أكسبتْها المناعة والصمود والمواجهة. إنّ النقطة المفصليّة في نجاح الثورة على بن عليّ في تونس (والنجاح هنا نسبيّ لأنّ الحالة الثوريّة هناك ما زالت مستمرّة) هي لحظةُ التحاق النقابة بصفوف المحتجّين، بالرغم من كلّ ما يمكن أن يقال عن النقابة وماضيها مع النظام أو عن موقفها المبدئي الأوّل من ثورة شباب تونس. 3) النضج الذي أبداه الإسلاميون في البلدان التي تفجّرتْ فيها الديناميّةُ الثوريّة، إذ فكّكوا مقولة "الفزّاعة الإسلاميّة" من كلّ محتوياتها، وتعاملوا بذكاء كبير مع حيثيّات الوضع الثوريّ، بحيث ظلّوا في خدمة تلك الديناميّة ولم يعمدوا إلى الركوب عليها، وهو ما أسقط مقولة "ترقّب" الجماعات الإسلاميّة للحظة الانفلات قصد تحقيق أحلامهم في الاستيلاء على الحكم. 4) الآليّات الحقوقيّة التي طوّرتها البشريّة، والتي لم تعد تسمح بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من دون محاسبة الجلاّدين وجرِّهم إلى محكمة الجنايات الدوليّة. هذا العامل لعب دورًا كبيرًا في حماية المنتفضين في تونس ومصر. 5) نهاية الثنائيّة القطبيّة التي لم تعد تسمح لأنظمة معيّنة بتجاوز المحظورات من أجل تحقيق غايات هذا القطب أو ذاك. ولحسن حظّنا، كذلك، أننا لم نعد نعيش في حالة قوة الأحاديّة القطبيّة بفضل بروز الصين قوةً اقتصاديّةً بدأت تملك صوتًا سياسيًا فعّالاً، وبفضل عودة روسيا وصعود بعض المراكز كالبرازيل والهند.
عندما أذكر هذه العوامل الخارجيّة فإنّني لا أدّعي أنّ "الغرب" هو الذي حرّك الثوراتِ العربيّة كما حدث، مثلاً، في جورجيا؛ لكنني أدّعي أنه يسايرها ويتدخّل فيها بحكم مصالحه الإستراتيجيّة. وهذا هو مبعثُ الخوف؛ فقد استخلصت القوى الغربيّةُ الدروسَ ممّا جرى في تونس ومصر، وستبذل جهدَها للالتفاف على ما سيحصل في دولٍ عربيّةٍ أخرى.

عزيز إدامين: إنّ الإجابة عن سؤال "أكان متوقَّعًا ما حدث في العالم العربيّ؟" يستوجب العودةَ إلى الإنتاجات المعرفيّة والتنظيريّة عن المنطقة، وقد وصل جميعُها إلى مستوى القول بأنّ الشعوب العربيّة بلغتْ درجةً من "استعذاب الاستعباد" بما يَصْعب معه إحداثُ طفرةٍ نحو الديمقراطيّة. وهذا المحدِّد النظريّ مرتبط بعوامل تاريخيّة وثقافيّة ودينيّة، لكنّ ما يقع الآن عندنا يؤكّد أنّ ثمة قواسمَ مشتركةً بين هذه الشعوب، والاختلافُ هو حول ما إذا كانت هذه القواسم مرتبطةً بأسس معيّنة (دينيّة وعرقيّة ولغويّة وإثنيّة) أمْ بواقع الاستبداد الذي ولّد هذه الانفجارات. شخصيًا أميلُ نحو الطرح الثاني الذي يشير إلى أنّ القاسم المشترك مرتبطٌ بالعيش تحت نمط الاستبداد المتلوِّن بتلويناتٍ متعدّدة، منها الدينُ والحزبُ الواحد والنظام البوليسيّ والتهديد الخارجيّ.
هل تمْكن تسميةُ ما يقع الآن في العالم العربيّ من تحوّلاتٍ ديناميّةٍ بـ "موجة الديمقراطيّة" ارتباطًا بالموجة الثالثة من الديمقراطيّة التي عاشتها البرتغالُ وإسبانيا وتدحرجتْ ككرة الثلج نحو عوالم أميركا اللاتينية؟ هل هو "موجة رابعة" أو مجرد امتداد للثالثة؟ في رأيي أنّ "تسونامي الديمقراطيّة العربيّة" هو في العمق رغبة في تدمير بنى الأنظمة الديكتاتوريّة دونما تفكير عميق في البدائل المتمثّلة في أنظمة ديمقراطيّة قائمة على مفاهيم واضحة الأهداف. ما نعيشه الآن هو خريفُ الاستبداد العربيّ، ولم نصل بعدُ إلى أن نحيا ربيعَ الديمقراطيّة العربيّة. وهذا الخريف لا بد أن يطول العديد من الأقطار العربيّة لأنْ لا حدود له ولا تحكّم في انسيابه؛ فالكلّ مستهدَف، ويبقى الاختلافُ في خصوصيّة كلّ مجتمع على حدة: فما وقع في تونس ومصر يمكن اعتبارُه انقلابًا عسكريًا بقفّازات مدنيّة، على اعتبار أنّ دور الجيش كان حاسمًا فيهما؛ في حين أنّ تجربتيْ ليبيا واليمن تقدّمان لنا دروسًا جديدةً لا نعرف إلى الآن مآلاتها؛ وسيقدّم المغرب، لا محالة، دروسًا جديدةً أخرى في هذا المضمار باعتبار أنه سيشكّل الاستثناءَ الوحيدَ الذي قد يقْدم على إصلاحاتٍ سياسيّة عميقة ويحقّق انتقالاً إلى الديمقراطيّة بلا إراقةِ دماء.
مستوى آخر لتفسير ما يقع في المنطقة العربيّة من ديناميّة ثوريّة يرتبط بطبيعة الوسائط المؤسساتيّة، كالمجتمع المدنيّ والأحزاب السياسيّة. فهل تشكّل حركاتُ الشباب بديلاً للأحزاب؟ لا أعتقد أنّ هناك مَن يرفع هذا الشعار، وإنْ كانت تلك الحركات تتجاوز منطقَ الأحزاب وركائزَ تفكيرها وتحاليلها لأوضاعها وملابساتها. فهي تنطلق من مطالب اجتماعيّة وخدماتيّة محدّدة، لتتحوّل تدريجيًا إلى مطالب سياسيّة واقتصاديّة ودستوريّة، معبّرةً عن نفسها كقدرةِ حشدٍ ذاتِ ميكانيزمات تطوير ذاتيّ سريعٍ باعتبار التحامها بصوت الشارع الذي يفكّر بإيقاع سريعٍ مرتبطٍ بالحاجة الذاتيّة والجماعيّة؛ وهذا ما يميّزه من الأحزاب والنقابات التي تحرِّك فكرَها ميكانيزماتُ اقتضاءاتِ الظرف السياسيّ والاجتماعيّ المترجَمِ في مفاهيم "التكتيك" السياسيّ و"المناورات" السياسيّة وتغليب معايير الربح والخسارة في أيّ حراك أو مبادرة سياسيّة. من هذا المنطلق نقول إنّه لا مجال للبحث عن براديغمات مشتركة بين مختلف الديناميّات الثوريّة الشبابيّة في مصر وتونس والمغرب واليمن وليبيا وسوريا. فكل حركة شبابيّة تنطلق من ديناميّة تحرّكها الذاتيّ، وتبدأ من خلالها في امتلاك آليّات تطويرها الذاتيّ انطلاقًا من إفرازات الميدان.
السؤال الكبير الذي يُطرح في سياق ما يجري عندنا هو: هل كلّ العالم العربيّ "سيُبتلى" بما يجري من ديناميّة ثوريّة في بعض البلدان العربيّة؟ هناك من يقول إنّ بعض المجتمعات يستحيل أن تكون فيها ديمقراطيّة بسبب غياب التعليم المتطوّر وهشاشة الطبقة الوسطى وضعف بنيات الأحزاب السياسية أو غيابها. غير أنّ ما يحدث الآن يؤكّد، في رأينا، أنْ لا استثناء في النجاة من طوفان تسونامي الديمقراطيّات العربيّة.
لبيض: إنّ عنف الديناميّة المنسابة اليوم في واقعنا العربيّ يجعل من "قراءة الخلفيّات" قراءة ملتبسة وخائنة أحيانًا. فقد ذهب بعضُ الأبحاث الإستراتيجيّة إلى ردّ الاحتجاجات العربيّة إلى أسباب، منها: 1) تسريبات ويكيليكس التي اعتبرها البعضُ الشرارةَ التي أشعلت الثوراتِ العربيّةَ بعد ما كشفته من خبايا الأنظمة العربيّة وفسادها ومناوراتها الفاضحة. 2) تسريبات الاستخبارات الأميركيّة إلى وكالةَ رويترز عن مكامن المخاطر السياسيّة في الدول العربية. 3) تصريحات وزيرة الخارجيّة الأميركيّة هيلاري كلينتون، منذ تسلّمها لمنصبها، حول الحريّات، وبخاصةٍ حول الإنترنيت. 4) تولّي "وكالة التنمية الأميركيّة" مسؤولية تمويل التدوين العربيّ والمنظّمات المشرفة عليه. ألا يمكن أن تكون هذه العوامل مؤشّرًا على أنّ ما وقع في العالم العربيّ لم يكن محض صدفة أو مجرّد رد فعل تلقائيّ على وضع عامّ، بقدْر ما هو محكوم بأسباب وجوده المهيّأة من قبل، حتى من دون أن يدرك ذلك هؤلاء الشبابُ الذين اندفعوا إلى ميادين الحريّة والكرامة للتعبير عن مواقفهم من أنظمةٍ سامتْهم سوءَ العذاب؟ ألسنا أمام إستراتيجيّة غربيّة قرّرتْ سلخَ جلد الأنظمة القديمة التي باتت غيرَ قادرة على ضمان مصالح القوى الغربيّة، وتعويضَها بأنظمةٍ تغيِّرُ الديكورَ السياسيّ من دون أن تفرَّط في ثوابته؟
نجية ملاك: السؤال عمّا إذا كانت الاحتجاجات عفويّة أم مفبركة يبدو لي مشروعًا. فقد نجد مؤشّرات جليّة على الطرح الذي يقول إنّها مهيَّأة من طرف مصالح خارجيّة. والوضع في ليبيا يدفعنا إلى التساؤل: هل نحن أمام تجريب مخطّط التقسيم الذي سمعنا عنه منذ سنوات كأداةٍ لإعادة رسم الخريطة الجيوسياسيّة للوطن العربيّ؟ هل نحن أمام مؤامرة إعادة تشكيل المنطقة؟ ثم لاحظوا التعليقات السريعة والتدخّلات البرقيّة للإدارة الأميركيّة تعليقًا على أحداث درعا وعددٍ من المحافظات السوريّة، والتقاعس الملحوظ في حسم الموقف في اليمن بل وإصرار أميركا على الاحتفاظ بأشقّاء الرئيس علي عبد الله صالح وأبنائه في مراكزهم الأمنيّة خدمةً للمشروع الأميركيّ في المنطقة في إطار "الحرب على الإرهاب." إنّ مثل هذه المواقف يجعلنا نخاف أن تذهب هذه الديناميّة القويّة نحو تنفيذ هذه المخطّطات.
أما الطرح الثاني الذي يعيد عواملَ التفجّر إلى الداخل فهو كذلك يحمل مؤشّرات دالّة عليه. فالأوضاع التي يعيشها الإنسانُ العربيّ، ناهيك بالعولمة وإكراهاتها في المنطقة لا يمكن إلاّ أن تسفر عن مثل هذه النتائج.
أعترف أمام هذا السؤال بالعجز عن الحسم، وإنْ كنتُ أميل إلى أنه مهما قيل عن الدوافع فإنّ ما يحدث في العالم العربيّ من ديناميّة لا يمكن إلاّ أن يتمخّض عنه واقعٌ أفضل بكثير من الواقع السابق. لقد أدرك المواطنُ العربيّ أنه قادر على صياغة إرادته وتوجيهها نحو الغايات التي تخدمه، وأدرك كذلك أنّ إصراره على طلب الحقوق لا يمكنه إلا أن يسفر عن نتائج إيجابية. وأكثر من هذا وذاك فإنّ الإنسان العربيّ حدّد بوصلته ويَصعب أن توجد قوةٌ اليوم قادرةٌ على الالتفاف على إرادته وثورته.
محمد العوني: لا أؤمن بفكرة المؤامرة التي لمّح إليها الأخ لَبْيض في أسئلته، ولا أنّ ثمّة أيادي خفيّة وراء ما جرى ويجري في العالم العربيّ. والدليل على ذلك أنّ هذه الثورات طاولتْ، أوّلَ ما طاولتْ، أنظمةً مواليةً للغرب وخادمةً لمشروعه الإمبرياليّ في المنطقة. فهل يُعقل أن تضحّي أميركا بحسني مبارك، حامي أمن إسرائيل وخادم البيت الأبيض في الشرق الأوسط؟ وكيف تتجرّأ أنظمةُ الغرب، وعلى رأسها أميركا، على إحداث إرباكٍ في العديد من المناطق العربيّة في لحظة زمنيّة متقاربة جدًا وهي التي تُرعدها فزّاعةُ الحركات الأصوليّة الإسلاميّة وتعتقد أنّ أيّ فراغ في المشهد السياسيّ العربيّ مهيّأ لأن يُملأ بهذه الحركات؟
يجب الإيمان بأنّ ثمّة شروطًا اختمرتْ فأنتجتْ ديناميّة ثوريّة مطالبة بالتغيير. فالشعوب المنتفضة في وجوه أنظمتها وعت حجمَ الفارق الذي يفصلها عمّا يقع في بقاعٍ أخرى في العالم، خصوصًا أنها استغلّت تفاعلَها الواسع مع مساحات الشبكات الاجتماعيّة من أجل التطلع إلى بناء جسم ديمقراطيّ يستجيب تطلّعات الشعوب.
الدليل الثاني على محلّيّة صنع الثورات العربية يتمثّل في أنها لا تقودها طبقةٌ معيّنة قد نتفق على أنّ برنامجها السياسيّ يرتبط بمصالح أجندات خارجيّة، بل قادها شبابُ الطبقات الوسطى الذين يعيشون أوضاعًا سياسيّةً واجتماعيّةً محبطة. فمكّنهم وضعُهم التعليميّ المتقدّم، وحيازتُهم الوسائطَ المعلوماتيّة، وحميّتُهم، وما شهدوه من وقائع احتلال العراق وبشاعةِ الاحتلال الصهيونيّ، ومراقبتهم لظلم تعامل الغرب مع مصالح الشعوب العربيّة، من أن ينتفضوا وأن يكون انتفاضُهم فعلاً ذاتيًا وداخليًا خالصًا.
لكنْ عندما نقول بغياب الأيادي الخفيّة وراء كلّ ما يجري في العالم العربيّ اليوم، فذلك لا يعني أننا نبرّئها ممّا يحدث الآن من تطوّرات في هذا العالم أو ممّا سيحدث لاحقًا. وإلاّ فكيف نفسّر مسارعة أميركا إبّان ثورة مصر إلى الدفع بورقة البرادعي، مرشَّحِها إلى الانتخابات الرئاسيّة؟ وكيف نفسّر الحميّة الفرنسيّة والبريطانيّة التي تَطْبع تدخّلهما في شؤون ليبيا، مقابلَ تراجع الموقف الأميركيّ؟ ألا يدلّ هذا على نوع من التخطيط الاستراتيجيّ المبرمَج، والتوزيعِ المحْكم للأدوار، في عمليّة تدبير مرحلة ما بعد الثورات الديمقراطيّة العربيّة من قِبل القوى الغربيّة المتحكّمة في القرار الدوليّ وفي خريطة العالم الجيوسياسيّة؟
ومع ذلك فإنّ التدخل الأجنبيّ في ما يجري في العالم العربيّ لا يمْكنه أن يعدّل الانعطافات التاريخيّة الكبرى. فمسيرة التغيير الثوريّ اليوم في مصر ماضية في تحقيق أهدافها بالرغم من كلّ الضغوط الخارجية، وذلك بفضل يقظة الشباب العربيّ. وهذا ما سيقع في اليمن وليبيا والعديد من البلدان العربيّة التي بدأتْ تنفجر فيها الأوضاعُ الاحتجاجيّة المشروعة.

لبيض: لكنّ انحسار المد الثوريّ في البحرين وسلطنة عمان قد يشير إلى وجود أجندة إقليميّة ودوليّة لن تسمح بأن يطاول التغييرُ هذين البلدين، في وقتٍ سُمح فيه لقوًى أخرى بالاستمرار في خلق شروط ثورتها. أم يمكن إرجاعُ انحسار ذلك المدّ إلى نوع الخبرة الاجتماعيّة التي يمتلكها شعبا البحرين وعُمان مقارنةً، مثلاً، بالخبرة الاجتماعيّة في مصر أو تونس أو اليمن حيث هناك رصيدٌ تاريخيُّ من العمل السياسيّ سمح بالدفع بالديناميّة الثوريّة إلى مداها الأبعد؟
عزيز إدامين: إنّ اعتبار ما يقع في المنطقة فعلاً ذاتيًا خالصًا، أو تدخّلاً أجنبيًا مباشرًا، كلاهما استخفافٌ بالعقل.
عندما طُرح مشروعُ "الشرق الكبير أو الجديد" في عهد بوش الابن، جابتهه الأنظمةُ والشعوبُ على حدّ سواء. فهل ما نعيشه في عالمنا العربيّ اليوم من ديناميّة ثوريّة هو شكلٌ آخر من أشكال تصريف مشروع بوش الابن المتعلّق بالشرق الأوسط الكبير... بصيغة مدنيّة؟
لا ندّعي أننا نملك إجابات شافيةعلى هذا السؤال؛ فنحن ما نزال نعيش في صلب المخاض. لكنْ نتحسّس مؤشّراتٍ أعقبتْ مشروعَ "الشرق الأوسط الكبير" وتتمثّل في سياسات تمويليّة مدعّمة من الإدارة الأميركيّة (عبر "الوكالة الأميركيّة للتنمية الدوليّة") والاتحاد الأوروبيّ من أجل تكوين "وسائط اجتماعية" أو "إعلام بديل." أتساءل: هل النيّة آنذاك كانت معقودةً على إنتاج الوضع الراهن من خلال كلّ هذا الدعم؟ ألم تكن لهذه الجهات أهدافٌ محدّدةٌ وراء هذا الاستثمار الماليّ الضخم؟ وفي الوقت نفسه أتساءل عن دور المجتمع المدنيّ العربيّ وعلاقته بمصادر التمويل الخارجيّ؛ إذ قُدّمتْ تحويلاتٌ سخيّةٌ لكثيرٍ من هيئات المجتمع المدنيّ في إطار تكوين رؤية حول مشروع "نموذجيّ" للدولة الجديدة، التي هي "دولة المؤسّسات وحقوق الإنسان..."
أما تسريباتُ ويكيليكس فساهمتْ لا محالة في تأسيس فضاء عموميّ للنقاش النقديّ للأنظمة وللرؤساء. ويمكن أن نضيف عاملاً آخر كان له دورُ الحسم في كلّ ما يجري، ونعني به الشبكات الاجتماعيّة التي آلت إليها قيادةُ هذا النقاش العميق في غياب المجتمع المدنيّ أو المجتمع السياسيّ المخوّل له تقليديا قيادة مثل هذا النقاشات.
أخْلص إلى أنّ ما وقع ويقع في عالمنا العربيّ من ديناميّات احتجاجيّة لا تسقط عنه فكرةُ "اليد الخفيّة." لكنّ المقصود ليس اليد الخفيّة المتحكّمة، وإنّما اليد الخفيّة كما سمّاها آدم سميت، أي التي تؤسّس للقوانين وتنسحب إلى الخلف تاركةً الفرصةَ للديناميّة بأن تطوِّر ذاتَها بذاتها وتفرز بعد ذلك ما ينسجم مع إمكاناتها الذاتيّة الاجتماعيّة. والتحدّي الكبير اليوم هو كيف يمكن أن يحافظ الشبابُ على استقلال قدراتهم الوطنيّة والسياديّة؟ ذلك لأنّ اليد الخفيّة لا بدّ أن تتدخّل اليوم من أجل تنظيم الأمور وتوجيهها ربمّا نحو سياقاتٍ لم تولدْ هذه الديناميّةُ بغاية خدمتها. خوفنا اليوم هو أنّ الغرب ليس مراهقًا سياسيًا بل لا بدّ أنّ له استراتيجيّاته البعيدة المدى التي لا نستطيع مواجهتها لأننا لا نمتلك التصوّرات الإستراتيجيّة الكبرى وإنما نكتفي عادةً باللعب بالتكتيكات الآنيّة المحكومة بإكراهات اللحظة.

العوني: صحيح أنّ أميركا وحلفاءها الدول الغربية بذلتْ مجهودات كبيرة في مجال التكوين المرتبط بالإعلام الإلكترونيّ والتكنولوجيا الحديثة، لكنّ من الغباء الاعتقاد أنها فعلتْ ذلك لتضرب حلفاءها المستبدّين بقدر سعيها إلى ترسيخ الثقافة الليبراليّة ضدًا على الثقافة الإسلاميّة الأصوليّة. غير أنّ السحر انقلب على الساحر وصار الشبابُ المستلهِمُ للثقافة الليبراليّة ملتحمًا بالحركات الإسلاميّة في الشارع لمواجهة نظام الاستبداد!
ثم إنّ الادّعاء أنّ ما يجري من تحوّل نحو الديمقراطيّة في العالم العربيّ مصنوعٌ في دوائر القرار الأميركيّ والغربيّ هو استخفافٌ بحجم التضحيات التي قدّمتها شعوبُ تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا والأردن... فنحن أمام ديناميّة ذاتيّة أصلية منبعثة من عمق المجتمعات العربيّة. ويمكن التصريح بأنّ الغرب اليوم أخطأ في ما استثمره من ميزانيّات من أجل هدف لم يتحقق بل جاء بعكس المطلوب.

كريبي: أتفق مع الأخ العوني على أنّ ثوراتنا عربيّة المنبع والغاية. لكنْ لديّ تعقيبان على سؤالين طرحهما الأخ لبيض. الأول: إذا أردنا أن نربط ما حدث في تونس بواقعة تسريبات ويكيليكس، فإنّها لم تقل أشياء أكثر خطورةً ممّا قالته عن أنظمةٍ عربيّةٍ أخرى لم تتحرّكْ فيها حتى الآن بواعثُ الثورة! أما الثاني فمرتبط بمشروع "الفوضى الخلاّقة" الذي أسّستْ له إدارةُ بوش، فانهزم وانقبر، والفريق الذي كان يقوده حزم حقائبَه ورحل، وفكرةُ "دمقرطة الشعوب" التي طرحها بوش الابن جاءت بحركة حماس إلى الحكم في فلسطين.
لقد كانت هناك محاولاتٌ للتأثير في مسار إعادة تشكيل الواقع السياسيّ العربيّ، لكنها لم تنجح. وجاءت الثوراتُ الديمقراطيّة العربيّة لتعلن عن نفسها بديلاً ذاتيًا من واقع عانته المجتمعاتُ العربيّة عقودًا طويلة؛ وجاءت لتعيد السيادة المنهوبة إلى الشعوب، ضاربةُ مصالحَ الإستراتيجية الغربيّة القائمة على سلب هذه الشعوب إرادةَ الفعل والقرار.
أما بالنسبة إلى سؤالك عن عُمان والبحرين، فإنّ انحسار المدّ الثوريّ فيهما يزيح، هو الآخر، فكرةَ المؤامرة والعامل الخارجيّ، ويُبرز أهميّة ضعف التراكم النضالي الداخليّ. فشعب عُمان لم يعرف العديدَ من الخبرات النضاليّة، وأهمُّها ثورةُ ظفار الماركسيّة اللينينيّة. وفي البحرين استطاعت الحركة الاحتجاجيّة، بفضل التقاليد التنظيميّة للحوزة الشيعيّة، أن تبرز زمنًا كاد أن يمتدّ لولا تدخّل الغرب والقوى الإقليميّة التي رفضت التململَ الشعبيّ في هذه المنطقة؛ فلو سقطت البحرين فستسقط معها منطقةُ الأحساء، وتتبعها الكويتُ، لنعود مرةً أخرى إلى دائرة الخليج الفارسيّ الذي يرعد دولَ الخليج ويهدّد المصالحَ الأميركيّة والغرب.

المحور الثاني: خصوصيّة الحراك الشعبيّ في المغرب: حركة 20 فبراير وخطاب مارس الملكي

لبيض: في هذا المحور سنحاول مناقشة خصوصية الحراك الاجتماعيّ المغربيّ، منطلقين من تشخيص حالة "حركة 20 فبراير" باعتبارها حركة شبابيّة منفصلة عن أيّ تيّار أو شعارات حزبيّة. فما هو برنامجها السياسيّ والاجتماعيّ؟ وما هو سقف مطالبها؟ وما هي عناصر التميّز فيها؟

عزيز إيدامين: لفهم حركة 20 فبراير يجب أن ننطلق من البداية. وهذه البداية تمثّلتْ في أنّ مجموعة من الشباب طرحوا موضوعات للنقاش على صفحات الفايسبوك، وإذا بهم يصلون إلى مستوى السؤال الكبير: لماذا لا نطرح أنفسَنا مبادرةً للتغيير في غياب إرادة حقيقيّة للتغيير لدى النظام والأحزاب السياسيّة؟ وهكذا تحوّل المطلبُ الافتراضيّ إلى مطلب واقعيّ تجسّد في نزول هؤلاء الشباب إلى المجال العامّ للتعبير عن إرادتهم في التغيير. طبعًا كانت قد سبقت هذه الحركةَ تجاربُ أخرى كـ "حركة موت الحكومة،" غير أنّ جديد حركة 20 فبراير هو أنّها، كما قلتم، لم تخرج بلون حزبيّ، وإنْ كان لبعض أفرادها انتماءاتُهم الحزبيّة وتصوّراتُهم السياسيّة. ما وقع، إذن، هو تجاوزُ الحزبيّة، والرقيّ نحو بناء مشروع مشترك.
تسلّحت حركة 20 فبراير بسلاح وحيد، هو سلاح التظاهر والاحتجاج السلمييْن من أجل التغيير، وذلك في ثلاثة مستويات: الديمقراطيّة والحريّة والكرامة. وهذه هي دعائمُ المشروع المجتمعيّ القائم على الآليّات الآتية: الملكيّة البرلمانيّة التي يسود فيها الملكُ ولا يحكم، والفصلُ بين السلطة والثروة، وانتهاجُ سياساتٍ للحدّ من البطالة والتفقير واقتصاد الريع وغيرها من المظاهر الاجتماعيّة السلبيّة.
كان نزول الحركة إلى الشارع في 20 فبراير محطّةً أساسيّةً لإثبات الذات، ولتشكيل قوة حشدٍ للمطالبين بالتغيير وبالعدل وبالديمقراطيّة. في هذه المحطّة بالذات كان تعاملُ الأمن المغربيّ مع الحركة ذكيًا، فقد تركها تعبّر بالسلميّة عن مطالبها. لكنّ هذا التعامل سيتغيّر في 13 مارس، إذ سيفقد الأمنُ صوابه وسيواجه الوقفة الاحتجاجيّة بالعنف. وفي محطة 20 مارس ستنتقل الحركة من فصل إثبات الذات إلى فصل تأكيد الاستمراريّة والامتداد، وبخاصةٍ إذا علمنا أنّ الخطاب الملكيّ الذي ألقي في 9 مارس كان قد وضع العديد من علامات الاستفهام على مصير الحركة وديناميّتها: فلقد قلنا في مظاهرات 20 مارس إنّ سقف مطالبنا مازال أعلى ممّا قُدّم في الخطاب من برنامج إصلاحيّ.
أما المتعاملون مع حركة 20 فبراير من طرف الهيئات السياسيّة والنقابيّة والحقوقيّة، فثلاث فئات: 1) فئة التزمت الصمت إلى ما بعد تاريخ 20 فبراير لتبادر إلى مباركة الحركة على مبادرتها؛ وهذا أمر طبيعيّ لأنّ الأحزاب تراهن على مبدإ الكسب والخسارة في التكتيك السياسيّ. 2) فئة تريد الوصول إلى الشارع من أجل الاحتجاج واحتلال الفضاء العموميّ والتعبير فقط. 3) فئة تعمل اليوم داخل حركة 20 فبراير وتفرز حجم التناقضات التي تعيش داخلها ــ وهو تناقض حيويّ واجب مادامت هذه الحركة منفتحةً وخاليةَ الذهن من الحسابات التكتيكيّة الضيّقة.
محمد العوني: هناك خصوصيّات للحركة الشبابيّة في المغرب تميّزها عن باقي الحركات الشبابية العربية: 1) أنّ أغلب عناصر حركة 20 فبراير منتمون إلى الأحزاب الديمقراطيّة المعارضة، ما جعل الالتحامَ بين الطرفين تلقائيًا وسريعًا؛ فما إن أعلنت الحركة عن نفسها حتى وجدتْ أذرع أحزاب المعارضة مفتوحة لها لصيانتها ومرافقتها. 2) أنّ الإطار كان مهيّأ قبل ولادة الحركة بفضل النقاش العامّ المديد على صفحات الوسائط الاجتماعيّة، وموضوعُه الإصلاح. 3) أنّ علاقات الانفتاح السياسيّ التي أُعلن عنها منذ أواخر القرن الراحل، ومخاضات الإصلاح السياسيّ، دفعتْ حركة 20 فبراير إلى إستراتيجية "الاحتجاج المتقطع،" بحيث نجدنا أمام مسيراتٍ مرةً في كلّ شهر (يتجاوب النظامُ مع جزء من مطالبها).

كريبي: لا شك في أنّ هناك قواسم مشتركة بين كلّ الحركات الثوريّة العربيّة، وأهمّها التغيير. لكنّ التغيير الذي يُطرح في المغرب غير ما يُطرح في سوريا أو لبنان أو اليمن مثلاً. فالتغيير المطروح في المغرب له عنوانٌ واضح، هو "الملكيّة البرلمانيّة،" لأننا نعاني احتكارَ الملك كلَّ السلطات. ولا أرى أمامي عنوانًا آخر في الشارع أهمّ وأسمى من هذا العنوان، وكان التركيز عليه منذ البيانات الأولى لحركة 20 فبراير.
حركة 20 فبراير حركة ذات برنامج سياسيّ ليبراليّ. لكنّ هذا لا يعني أنّها تقدّم شيكًا على بياض لليبراليّة الغربيّة، بل هي ذاتُ مطالب اجتماعيّة رمزُها الأكبر هو الشهيد محمد البوعزيزي، الذي دفعتْه أوضاعُه الاجتماعيّة في تونس إلى أن يفجّر ذاته، فيفجّرَ من خلالها واقعًا غارقًا في إحباطاته وفساده وقمعه لرغبات التغيير.
أما الوسيلة التي وظّفها الشبابُ المغربيّ في حركتهم الاحتجاجيّة فهي تتماثل مع الوسيلة التي اعتمدتها كلُّ الحركات الشبابيّة العربيّة، ونعني بها وسائلَ الاتصال الإلكترونيّ، التي كانت هي المبتدأ ليأتي الخبرُ في ميادين النضال. لكنْ ما قد يميّز حركة الاحتجاج المغربيّة هو أنها وجدتْ بسرعةٍ مجموعةَ دعمٍ ممثّلةً في الهيئات الحزبيّة والنقابيّة والحقوقيّة والنسائيّة، التي انتظمتْ أخيرًا في إطار "المجلس الوطنيّ لدعم حركة 20 فبراير."

لبيض: حزبكم، "حزب الأمة،" يدعم حركة 20 فبراير. فما هو موقفكم، بالمناسبة، من البرنامج الإصلاحيّ الذي قدّمه الملك محمد السادس في خطاب 9 مارس؟

كريبي: لا يمكننا أن نرهن الإصلاح للنظريّة الدستوريّة، بل لا بدّ أن ندمج هذه الأخيرة في نظريّةٍ أكبر، هي نظريّة الدولة. نحن، كحزب، نريد دولة ديمقراطيّة ومدنيّة: ديمقراطيّة ليس بالمعنى العدديّ، وإنما بمعنى إيمانها برأي الأغلبيّة التي تحفظ للأقليّة حقوقها؛ ومدنيّة عملاً بشعار "لا قداسة مع المسؤوليّة ولا مسؤوليّة من دون محاسبة."
ركّز خطابُ الملك في 9 مارس على مجموعة من الثوابت.
1) الإسلام. فقد جاء الخطاب ليذكّر بعبارة "الإسلام دينُ الدولة المغربيّة." وسؤالنا هو: هل الإسلام دين الدولة بمضمونه الكلاميّ اللاهوتيّ، أم التشريعيّ، أم القيميّ والأخلاقيّ؟ فالملك، في الممارسة، يقمع الصوفيّة ويشجّع الوهّابيّة؛ وبعد أحداث 11 أيلول يقمع الوهّابيّة ويشجّع الطرقيّة.
2) إمارة المؤمنين، التي ورد ذكرُها في الخطاب من دون تحديدٍ أو تلميحٍ إلى تغييرٍ ما. قد يسأل أحدُ القرّاء عن المانع من الاحتفاظ بهذه المؤسّسة؟ أليست ملكة بريطانيا هي رئيسة الكنيسة الأنكليكانيّة؟ لكني أجيبه أنّ الملكة لا تتدخّل في قرارٍ اتخذه رئيسُ الوزراء، في حين تدخّل الملكُ في الثمانينيّات، متلحّفًا رداءَ الملك اللاهوتيّ مجسَّدًا في أمير المؤمنين، ليمنعَ حزبًا من الانسحاب من البرلمان، وذلك حين خاطبه قائلاً: "دستوريًا من حقّكم أن تنسحبوا من البرلمان، لكنني كأمير للمؤمنين أصفكم بأنكم خارجون عن الجماعة والملّة!" ها هنا تكمن خطورةُ مؤسسة أمير المؤمنين، أي حين تصير دستورًا فوق الدستور وسلطة لاهوتيّةً لا رادّ لقدرها. ولذلك فإننا، في حزب الأمة، نقول بحصرها في المجال الدينيّ فقط؛ فإنْ أرادت أن تدخل المجال السياسيّ فينبغي أن تدخله كقيمةٍ تشجِّع على التقدّم والديمقراطيّة لا أن تكبحهما.
3) النظام الملكيّ، وقد وردتْ هذه العبارة من دون تحديد يَرفع عنها الغموض الذي تلبّسها لسنوات. كنا ننتظر أن تأتي العبارة بصيغة "النظام الملكيّ البرلمانيّ،" حيث الملك يملك ولا يحكم، ولا أقول يسود ولا يحكم لإيماننا بأنّ السيادة هي للشعب لا لأحد غيره.
4) الخيار الديمقراطيّ." يقول الملك في خطابه: "إنّ الخيار الديمقراطيّ هو الضامن القويّ والأساس المتين لتوافق تاريخيّ يشكّل ميثاقًا جديدًا بين العرش والشعب." شخصيًا، أفزع من كلمة "ميثاق " لأنها تحمل معنيين: فإما أن تكون بمعنى العهد، وبالتالي فهي عهد دينيّ سماويّ، وهذا خطير جدًا؛ وإما أن تكون بمعنى اتفاق أو توافق بين إرادة الشعب والملك في ترسيخ مبادئ الديمقراطيّة. ولأننا في المغرب نعيش تحت سلطة دستور ذي نفحة لاهوتيّة، فالأكيد أنّ المقصود بالميثاق هو العهد كما هو واضح في الفكر اللاهوتيّ. أما نحن فنرى أنّ الخيار الديمقراطي يجب أن يكون الضامن القويّ والأساس لبناء دولة الحقّ والقانون، لا لتشكيل ميثاق جديد بين العرش والشعب.
بناءً على هذه الملاحظات نقول إنّ الخطاب الملكيّ لم يحمل جديدًا يستجيب تطلّعاتِ الجماهير المغربيّة في ساحات الاحتجاج والمطالبة بالتغيير. فقد راوح مكانه ليتحوّل إلى مجرد حالة التفاف هادئة على مطالب حركة 20 فبراير. وأشدّ ما نخافه هو هرولةُ الأحزاب التي ما تزال محكومةً بآليّات التفكير ما قبل 20 فبراير.

نجية ملاك: الحركة الشبابيّة المغربيّة تعاطت بنوع من الإيجابيّة مع مضمون الخطاب الملكيّ، واعتبره الشبابُ منطلقًا للإصلاح. والأوساط السياسيّة والنقابيّة لم يكن لديها، في الواقع، سقف إصلاحيّ أعلى ممّا قدّمه الملك، بدليل المقترحات والملاحظات التي تقدّم بها العديدُ من الأحزاب. وشخصيًا أتفق مع الأخ عزيز (ومع حركة 20 فبراير التي يمثّلها في هذه الندوة) الذي أشار إلى أنّ الخطاب الملكيّ يشكّل خطوةً لفتح المجال أمام الحديث عن رفع سقف مطالبنا، الذي كان منخفضًا قبل 20 فبراير. فأن تبادر شخصيّاتٌ حزبيّة إلى مناقشة صلاحيّات الملك وضرورة تقليصها، فهذا في حدّ ذاته معطًى إيجابيّ يحرّرنا من حاجز الخوف ويجعلنا قادرين على طرح كلّ القضايا على مشرحة النقاش بعيدًا عن الخطوط الحمراء السابقة، ومتجاوزين لغة القداسة التي كانت تلفّ بعض الموضوعات. نحن، اليوم، أخي كريبي، أمام خيارين: إمّا أن نرفض مقترحات الملك، والبديلُ ساعتها هو الشارع، ولكنْ أين الشارع الآن وهل يقدر على تدبير مرحلة الاحتجاج إلى مداها الأقصى؟ وإمّا أن نقْبل المقترحات الملكيّة ونتخذَ منها منطلقًا للمفاوضة والمناورة.

كريبي: لا أظنّ أنّ ما جاء في الخطاب الملكيّ يمثّل سقف توقّعات حركة 20 فبراير، ومن خلالها توقّعات الشعب المغربيّ. ثم يجب أن نعترف بأنّ الخطاب الملكيّ، ومقترحاتِ الإصلاح التي تضمّنها على محدوديّتها، جاءت تحت ضغط الديناميّة الثوريّة في العالم العربيّ. وعلينا أن نستفيد من هذه اللحظة التاريخيّة من أجل تحقيق مكتسبات عديدة.

لبيض: خاتمة كلام كريبي يجعلني أستعجل السؤال حول آفاق الثورات العربيّة. فنحن في بدايات الحراك، ورهاننا كله على الزمن، وإنْ كنّا نلاحظ استعجالاً لجني ثمار ثورات ما زالت في مهدها تستشرف زمنها القادم. كلّ ثورة تقاس بقوة القائمين عليها وبقدرتهم على تدبير تفاصيلها وترسيم انعطافاتها بذكاء حتى لا تخرج عن سرودها الكبرى. فهل الثورات العربيّة اليوم قادرة على صيانة مكتسباتها واستثمار تضحياتها من أجل إحداث التغيير الضروريّ؟

نجية ملاك: ما قيل في هذه الندوة منذ بدايتها يكاد يتفق على أنّ هذه الثورات ما زالت في بداياتها وتبحث عن شكل يحتويها ويعلن عن ماهيّتها. إنها ثورات انطلقتْ من مبدإ تغيير القائم، من دون أن يكون لها برنامجٌ بديل واضح. هنا تمسّ الحاجةُ إلى تطعيمها بسند فكريّ يجعلها قادرةً على نقل المجتمعات العربيّة إلى الحالة الديمقراطيّة الحقّة. وعلى المثقف العربيّ اليوم أن يساهم في وضع برنامج لتحقيق النهضة الديمقراطيّة الشاملة، وصياغة الرؤية المستقبليّة القومية الإنسانيّة المرتبطة بحركات الشباب وبفعّاليّات المجتمع المدنيّ والسياسيّ. ومن دون هذا السند الفكريّ ستظلّ ثوراتنا بلا روح، وستجد من يلتفّ عليها ويسرقها ويحوّلها إلى مجرد لحظة انتشاء رومانسيّ ما تلبث الأمورُ بعدها أن تعود إلى سابق عهدها ـ وهذا ما لا نتمنّاه لها أبدًا.

لبيض: أتمنّى أن نكون قد خطونا خطوةً في رحلة المسافات الطويلة نحو بناء تصور فكريّ لثوراتنا الديمقراطيّة العربيّة، ونعِد بمواصلة العمل في هذا المجال دعمًا لإرادة الشعوب العربيّة في تغيير مصائرها وتبديل وقائعها. لقد أشعلتْ حركاتُ الشباب العربيّ شمعةً في نفق طويل ومظلم، وعلينا جميعًا أن نحمل القناديل من أجل مواصلة رحلة التحرّر من سلطة القهر المصلتة على رقابنا لعهود طويلة.
أشكركم باسم مجلة الآداب، التي كثيرًا ما حلم مؤسِّسها الدكتور سهيل إدريس ببزوغ شمس الحريّة والكرامة والديمقراطيّة في ظلام القهر والاستبداد العربيين. وها نحن اليوم نستأنف رحلةَ البحث عن الذات كما بشّر بها في نهاية روايته الرائعة، الحيّ اللاتينيّ. وأشكركم شخصيًا على تفضّلكم بقبول الدعوة، وبتحمّل أعباء الحضور لمناقشة موضوع هو جزء من حلمنا الممتدّ من الماء إلى الماء.

*عُقدت الندوة في مقرّ الحزب الاشتراكيّ الموحّد المعارض. وبالمناسبة، تتقدّم الآداب بالشكر إلى الإخوة المناضلين في الحزب على تفضّلهم بالمساهمة في إنجاح هذه الندوة، وتشكر بالخصوص الأستاذ محمد العوني على حسن تعاونه الدائم مع المجلة.

المساهمون:
نجية ملاك: فاعلة سياسيّة ونقابيّة.
كريبي عبدالكريم: عضو الأمانة العامّة لحزب الأمّة.
محمد العوني: منسِّق المجلس الوطنيّ لدعم حركة 20 فبراير.
عزيز إدامين: ناشط في حركة 20 فبراير.

المقالة منشورة في مجلة الآداب, ٤-٦ /٢٠١١


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مقارنة شكلية بين دستوري 2011 و1996

نظام الحكم في المغرب

الرجة الثورية العربية على ضوء نظريات الثورات والاحتجاجات لعبد الحي مودن