البوليزاريو : السياق والنشأة الجزء الاول
تحاول هذه المقالة البحث في جذور نشأة حركة البوليساريو وماهية التنظيم الذي تشتغل وفقه، أي العلاقة بين القيادة والقواعد،وذلك في علاقة سياقها بالبعد الدولي والوطني، أي في علاقة بالصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي من خلال الحرب الباردة، وفي علاقة أخرى بالأوضاع السياسية والأمنية وحتى التاريخية للقطر المغربي.
وقبل ذلك لابد من إبداء ملاحظة أساسية، تكمن في كون الموضوعة ليس نقاشا سياسيا أو منحاز لطرف على آخر في إطار الصراع حول تلك البقعة الجغرافية التي يؤمن الكاتب بامتداد الجغرافيا المغربية لما بعدها، ولكن دراسة علمية تحاول التركيز على منطقها الموضوعي، وان أدى الأمر إلى اصطناعها لصعوبتها البستمولوجية في علاقة بين الذات والموضوع، أو لم يقل باشلار من داخل ذاتية افرض موضوعيتي، لذا فهي أقل ما يمكن أن تكون نوع من جمع وتوثيق لوثائق ومعطيات تاريخية، وحتى يتسنى للشباب المغربي والعربي فهم، ما البوليساريو؟ وكيف جاءت مادامت هي ليس معطى نزل من السماء، بقدر ما هي إنتاج لتفاعلات اجتماعية واقتصادية وسياسية وتاريخية في مرحلة معينة.
عرف القرن أوج الحروب بين الدول لم تعرف مثيلتها البشرية، طوقت من خلال الحرب الباردة بين المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي والمعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، واندلعت حرب بالوكالة حيث كل طرف يسعى إلى الامتداد إلى أكبر حيز جغرافي يسمح له بالتأثير على السياسات الجيواستراتيجية، وقد انخرطت الجزائر مبكرا منذ الاستقلال في الحلف الاشتراكي في المقابل دخل المغرب إلى النادي الأمريكي خاصة بعد لقاء آنفا، فاضطر المعسكر الاشتراكي إلى تأييد أية حركة تحرر وطنية في المنطقة من خلال يدها في شمال إفريقيا الجزائر وليبيا.
نفس التحولات العالمية عرف المغرب داخليا تحولات جذرية، إذ يعد القرن العشرين بمثابة قرن بناء الدولة المغربية التي يمكن القول أن بناءها من ثلاثة مراحل، مرحلة الاستعمار حيث تم تشييد الإدارة وتفكيك شبه نسبي للبنية القبيلة للمجتمع المغربي الذي اعتبره جون واتربوري مجتمع لا دوليتي انقسامي (تجزيئي)، والمرحلة الثانية هي ما بعد الاستقلال حيث اتسمت بعنف "الدولة" اتجاه المعارضة من خلال الصراع حول السلطة وحول شكل الدولة وفلسفة وجودها، حتى سميت المرحلة بسنوات الرصاص أو سنوات الجمر، بالقتل والاختطاف والتعذيب، الذي شمل جميع ربوع المملكة بما فيها المناطق الجنوبية، والمرحلة الأخيرة حيث مرحلة التسويات السياسية بين القصر والحركة الوطنية انطلقت منذ الإجماع الوطني حول الصحراء إلى يومنا هذا، تسويات ذات أبعد توافقية وفوقية لصالح المؤسسة الملكية باعتبار لموازن القوى، وليس تسويات ذات بعد تعاقدي.
في هذا الخضم نشأة البوليساريو وارتبطت قضية الصحراء بكل مرحلة من مراحل بناء الدولة المغربية، أي منذ الاستعمار إلى غاية تدويل القضية ودخول الأمم المتحدة لتسوية الوضع بحل سياسي متوافق عليه.
فقد انطلق الاستعمار الاسباني للمناطق الجنوبية منذ مؤتمر برلين 1884 إلى غاية 1934 حيث سوف تكون السيطرة الشاملة على المنطقة، أما ما بعد هذه السنة والى غاية الاستقلال يمكن الحديث عن نوع من الهدنة خفض من قوة المقاومة، نتيجة تحالف استراتيجي لبعض شيوخ القبائل والأعيان الصحراويين مع المستعمر الاسباني كان مقابل التمتع ببعض الحقوق والحريات. أما بعد الاستقلال فقد لمع نجم جيش التحرير الذي قاوم الاستعمار ببسالة نظم خلالها المجاهدين الصحراويين عدة عمليات فدائية مست في العمق الوجود الاسباني خاصة في مناطق السمارة واوسرد، مما جعل الوجود الاسباني بتحالف مع فرنسا، (وفي روايات أخرى بمساعدة ومباركة المغرب) يرد الصاع صاعين من خلال عملية "ايكوفين" سنة 1958، العملية التي اعتبر تصفية تامة لجيش التحرير الوطني بالجنوب.
بعد عملية التصفية تحول الخط النضال للصحراوين من حمل السلاح إلى الحرب السياسية من خلال الدخول لدواليبها وتشابك بخيوطها، أفرزت نشوء عدة تيارات سياسيات توجت في الختام بقيام الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء وواد الذهب.
أولا: الحزبية الأولى
سنسرد تأسيس عدة تيارات سياسية بالمنطقة بتتبع الخط الزمني حتى لا تتداخل المعطيات باعتبار كثرة الانشقاقات وتشابه أحيانا الأسماء والمؤسسين.
1961: تأسست "حركة المقاومة لتحرير الأقاليم الواقعة تحت السيطرة الإسبانية "، وكانت تنشط انطلاقا من بلجيكا إلى غاية 1975، حيث سوف تدخل للمغرب من أجل توحيد الصحراء مع المغرب.
1965: تأسس "حزب الإسلام" من أجل حمل السلاح لطرد المستعمر، والتفاوض مع المغرب للانضمام إليه وفق شروط محددة، تعطي للشعب الصحراوي مجموعة من الحقوق والامتيازات.
1966: تأسست "المنظمة الطليعية لتحرير الصحراء" كبؤرة ثورية تعمل على تكوين إدارة صحراوية قادرة على تسيير البلاد ودفع الاستعمار الاسباني بالانسحاب وفق جدول زمني وحل الجمعية العامة الصحراوية ( لاسمبليا ) التي كانت بمثابة برلمان الصحراء في المنطقة المستعمرة من قبل اسبانيا، وإجراء انتخابات مبكرة لتشكيل جمعية جديدة وفق شروط النزاهة والشفافية مع الحد من نزوح الأسبان للمنطقة.
1967: تأسست "الجماعة الصحراوية"، انطلاقا من زعماء العشائر والقبائل الصحراوية وتعمل أساس على تمثيل السكان في شؤونهم الإدارية مع الاستعمار الاسباني والقدرة على التأثير وتوجيه على البينة القبيلة. لذا اعتبرت هذه الجماعة أصلها من تأسيس الإدارة الاسبانية لتسهيل علاقاتها مع الساكنة وتوفير الشرعية القانونية لتواجد الاسبان بالمنطقة بالسيطرة على كل التيارا والزعماء المتواجدون داخل الجماعة.
1970: يمكن اعتبار سنة 1970 هي سنة تأسيس "الحركة الطليعية لتحرير الساقية الحمراء وواد الذهب "، رغم أنها كانت متواجدة قبل ذلك ولكن ظهورها ارتبط أساسا بانتفاضة 17 يونيو 1970، وهي شباب مثقف وخريج الجامعات المغربية والمصرية، وقد قان مؤسسها محمد سيدي إبراهيم عن سن 26 سنة، حيث استغلت الحركة الانتفاضة لإعلان رفض السكان الصحراويين للاحتلال الاسباني من خلال رفع مذكرة باسم الشعب الصحراوي للمطالبة باستقلال الصحراء عن الحكم الاستعماري، وللإشارة فقط فإن أحداث 17 يونيو 1970 انطلقت كتعبير عن غضب جماهيري بالاستعمار من خلال القيام بوقفة احتجاجية أمام تجمع شعبي نضمه الاسبان بحضور ممثلين دوليين وازنين ووجود صحافة دولية، مما دفع بالقوات الاسبانية إلى التدخل لتطويق المحتجين وتم إطلاق النار عليهم بكثافة مما أدى إلى استشهاد العديد منهم، واعتقال الكثيرين وسحق للحركة، واختطاف قيادتهم وخاصة مؤسسها الذي يجهل مصيره للان.
1970: تأسست منظمة "موريهوب" أي "الرجال الزرق" كمنظمة سرية نتيجة القمع والاغتيالات التي كانت بالمنطقة، بزعامة "ادوارد موحا" وكانت تنتمي إيديولوجيا لليسار، وكانت مدعومة من قبل الحزب الشيوعي الاسباني ومن الجزائر أيضا، وقد كان الهدف من التأسيس الاستقلال التامة للصحراء الغربية وقطع كل العلاقات مع اسبانيا والمغرب، في أفق تأسيس دولة صحراوية ديمقراطية تقدمية شعبية.
1974: تأسس "حزب جبهة التحرير والوحدة" فبدأ مباشرة بشن هجومات عسكرية من أجل طرد الاسبان والالتحاق بالمغرب إلا أنه تم حله بقرار سنة 1976. ومعلوم أن هذا الحزب انشق عن "حركة المقاومة لتحرير الأقاليم الواقعة تحت السيطرة الإسبانية " التي تأسست سنة 1961.
1974: أسست اسبانية حزبا يمكن اعتباره يحمل معالم الحزبية هو "حزب الاتحاد الوطني الصحراوي"، المعرف اختصارا "البونس" وقد حاول الاسبان إلى جعل هذا الحزب يفرض نفسه على كل المناطق الصحراء الغربية من أجل تحضيره لان يتولى السلطة بعد انسحابها، وبالتالي تبقى عضويا مرتبطة بها، ومادامت "الجماعة الصحراوية " هي من صنيعة الاسبان فقد التحق أفرادها أو جلهم إلى هذا الحزب، الذي مني بالفشل مما اضطر الإدارة الاسبانية إلى حله.
وقد التحق العديد من أعضاء التنظيم بالجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب.
ثانيا: نشأة البوليزاريو
الجزء الثاني
تعليقات