"مالي" وأخواتها

























"مالي" وأخواتها

ارتبط تاريخ الإسلام بظهور تيارات رافضة له أو على الأقل مرتبط بالعقل أكثر من ارتباطها بالنصوص والأفكار الجاهزة، كما ارتبط تاريخ المغرب سواء القديم أو المعاصر بظهور حركات رافضة للتوجه الديني، وخاصة التي تنهل من المرجعية الماركسية اللنينية أسسها، إلا أن موضوع حرية العقيدة لم يأخذ اهتماما كبيرا بقدر ما هو اليوم، حيث أضحى موضوع الإفطار العلني يناقش سواء داخل الصالونات أو في المقاهي والشارع.

وعلى هذا أساس تطرح ثلاثة تساؤلات رئيسية بالموضع:

ü سبب الاهتمام بموضوع الحرية الفردية في المرحلة الراهنة؛

ü هل حركة المطالبة بالإفطار العلني متجاوزين بعدها الكمي الضيف جدا، والتركيز بالأساس على موضوعها، هل هي مساهمة في تطوير هذا النقاش أم العكس هو فوقعة صابون سوف تنفجر قريبا لإغلاق هذا الملف نهائيا؟

ü الظروف الاجتماعي هل تسمح بمثل هذا النقاش، أم أنها محصورة فقط في دوائر مغلقة وضيقة جدا لا تتجاوز حدود جغرافية وفئوية محددة؛

المغرب مثله مثل باقي الدول لا يعيش في كوكب منعزل عن العالم أو في جزيرة تتمتع بسيادة مطلقة على عدم السماح للأفكار الغريبة عن أغلبية المجتمع أن تحلق فوق ترابه، أو توازن المصالح الجيوسياسية واقتصادية لصالحه.

إن العالم اليوم أضحى قرية صغيرة بفعل الثورة التكنولوجية التي تنقل المعلومات على بعد مات الآلف الكيلومتر في بضع توان، كما أن تحرير مجال السمعي البصري سواء في بعده الوطني أو الدولي، فرض على الدول التعامل بحيطة مع هذه الموجة الجديدة وفي نفس الوقت أعطت لمكمومي الأصوات فرصة لتعبير عن دواتها، وما يقوم به الفيسبوك كأكبر موقع اجتماعي إلا أن سمح لأقليات للتعبير عن أفكارها ولمن ليس له تنظيم تفرز من خلاله لتصوراته ورؤاه ملاذا مهما وقنطرة بين "الأنا" والأخر لقول له "أنا موجود فاستعد لي".

كما أن العولمة بايجابياتها وسلبياتها تجاوزت إطارها الاقتصادي الضيق إلى عولمة الأنظمة السياسة وعولمة حقوق الإنسان بمفهوم شمولي غير قابل لا للتجزيء ولا للتفويت ولا للتصدير متحديا بل وناسفا لكل ما يرتبط بمصطلح الخصوصية، فالكونية كمجال جديد للتعايش بيا البشر غطى على البعد الخصوصي، ففرضت على كل دولة ترغب في الاندماج الاقتصادي الدولي والدخول لمعترك السوق الدولية، أن توقع على دفتر تحملات ركيزته الأساسية تمكين المرأة وتكريس وحماية حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا من خلال الصكوك والمواثيق والعهود الدولية التي تصون الفرد كفرد بغض النظر عن لونه وجنسه ودينيه ومذهبه، وهي عملية مكنت الانتقال من الدفاع عن الأفراد إلى الدفاع عن حق الأقليات والمجموعات في الوجود والتعبير عن حضورها من خلال ليس فقط تمكينها من ممارسة وجودها بل تمكينها من الوسائل لبلوغ ذلك.

هذه العوامل كلها جعلت من ليس له منبر فهو الآن مدعم فما عليه سوى القول أنا موجود فقط وتتكفل باقي الأجهزة الدعائية والإعلامية بتلميع وجوده.

يطرح مجموعة من الشباب وان كأم من الناحية الابستمولوجية لا يمكن اعتبارهم أقلية، سواء من حيث الكم أو من حيث القاسم المشتركة بينهم سوى الدعوة للإفطار العلني في رمضان، وذلك بتعديل بعض القوانين الوطنية التي تجرم مثل هذا العمل، بداية هذه المجموعة لا يمكن أن تخسر إي شيء في إطار توازن الصراع السياسي والمجتمعي لأنها أصلا لا تملك شيئا تخسره سوى خطاب ينهل من مرجعية حقوقية، وهذا مكمن قوتها وفي نفس الوقت ضعفها.

تبرز القوة من خلال إحراج المنظمات الحقوقية والفقهاء القانونيين بتأويلهم للقانون المغربي، وقوتها أنها حلقة هشة غير مرتبطة بتنظيم قوي قادر أن يخضع لتوزان المشهد السياسي، مما يجعل مغامراتها مفتوحة على كل التكهنات، وهنا تبرز تلك الشعرة الصغيرة من إخفاق الحركة بعدم وجود إستراتيجية واضحة في عملها، فهي تعمل وفق الفعل وانتظار رد الفعل من أجل إنتاج فعل جديد، كما أن عملها يكون بهذه المناسبة موسمية مرتبط فقط بشهر رمضان وليس نضال مستمر في الزمان.

وفي هذا الإطار نقول للحركة اشتغلي كما أنت وانتظري من المجتمع الحقوقي التعاطف ومن الفاعل السياسي التقدمي الحداثي الصمت.

تشتغل هذه الحركة في مواقع جغرافيا وفئوية مؤهلة أصلا لهذا النقاش مما يجعل حلقة اشتغالها ضيقة جدا وغير قادرة على توسيع النقاش ليصل إلى وجدة والرشيدية وورزازات والداخلة أو داخل قطر الرباط والدار البيضاء لدى سكان دوار الكاريان أو يعقوب المنصور بل والجرأة على التحدي بالإفطار العلني لن يتجرأ سوى منتحر أو مجنون.

الدائرة الضيقة التي سمحت وقبلت النقاش كانت إفراز مجتمعي ذو تكوين عال وثقافة منفتحة ودخل ميسور.

وأخيرا المطالبة بالإفطار العلني ألا يتقل الحق الأصلي المتمثل في الحق في العقيدة والتدين كحق أصلي، وألا يؤدي كذلك إلى نسف أصلا الحرية الفردية للفرد كالمثلية الجنسية والإجهاض.

كلها أسئلة مفتوحة على كل السيناريوهات مادم المجتمع غير مستعد لقبول النقاش قبل النقاش، ومادام الحامل للمشروع أرعن سياسيا وحقوقيا يشتغل بتهور وعبثية، وكم من عبثية أنتجت ثورات.

فاعملوا فأجمل ما في المغامر عدم التأكد من النتائج...

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مقارنة شكلية بين دستوري 2011 و1996

نظام الحكم في المغرب

قراءة في كتاب دستور 2011 بين السلطوية والديمقراطية، لحسن طارق وعبد العالي حامي الدين