حكاية عباس
على اثر الهجوم الذي تعرضت له قافلة الحرية، من أجل تقديم مساعدات غذائية وطبية، للشعب الفلسطيني القابع تحت الحصار، والتي ذهب ضحية هذه القرصنة البربرية والهمجية تسعة عشر شهيد وعشرات الجرحى، نظمت مجموعة العمل لدعم العراق وفلسطين وقفة احتجاجية مساء يوم الأحد الماضي، والتي عرفت مشاركة كل الأطياف السياسية والنقابية، رغم أن عدد المشاركين لم يتجاوز ساحة البريد الصغيرة.
ما أثارني وأنا أتابع لقطات الهجوم الصهيوني على القافلة البحرية، هو تدخل مراسل إحدى القنوات التلفزية الذي دعا في بداية التدخل إلى "كون الأمر خطير ويحتاج إلى تدخل الجهات المسؤولة" وأضاف " وان كنت لا أعرف من هاته الجهات المسؤولة التي ممكن أن تتدخل"، وهي دعوة تحل الكثير من المعاني بالنظر إلى الوضع الدولي، الذي أصبح المقررات الأممية والاتفاقات الدولية تضرب بعرض الحائط، أمام انتهاكات صارخ للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، فقط إذا كانت راعية العالم تساندك، وهي أميركا، التي سبق وان قال عنها احد رؤساءها السابقين "أبراهام لينكون"، "أمريكا ليس لها أصدقاء دائمين وليس لها أعداء دائمين لها مصالح دائمة."
خلفت عملية اقتحام قافلة الحرية القادمة من قبرص والمتجهة لقطاع غزة ردود فعل على المستوى الدولي وعلى مستوى شارع دول الأحرار، حتى لا اختزل فقط الدول الإسلامية والعربية واترك التحركات التي عرفتها مجموعة من الدول في أوربا وأمريكا اللاتينية.
ومن ضمن الدول نجد المغرب الذي نظمت مجموعة العمل لدعم العراق وفلسطين التي تضم المؤتمرات الثلاثة: القومي والإسلامي والعربي، وقفة توازت مع تقديم وزير الخارجية الطيب الفاسي الفهري لبيان تنديد على ما وقع، كانت الاستعدادات جارية منذ البداية لإنجاح التظاهرة، وانطلقت منذ البداية باصطفاف "الإخوة" الاسلامويين المغربية رافعين صور الأعضاء الثلاثة من جماعة العدل والإحسان المشاركين في قافلة الحرية، و"الرفاق" اليسارويين رافع علم أحمر للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، لتنطلق الشعارات من كل صوب وحدب توحدت على إلصاق العار على كون "صيوني مستشار في المغرب"، لتفترق مرة أخرى بين التكبير الذي يقابله بشعارات القضية الفلسطينية قضية أممية، ودعم العمليات الفدائية والاستشهادية لحماس تقابلها شعارات كفانا عنصرية، و"خبير خيبر يا يهود جيش محمد سيعود" تقابلها "فلسطين قضية إنسانية ماشي قضية انتخابية" ....
كنا في أقل ما يمكن قوله في مهرجان تناطح الشعارات بين "الإخوة" و"الرفاق" وغيبت تماما ما كان أساس التظاهرة والمتعلق بسفينة الحرية، والتي لم يتم ذكرها في أي شعار سوى في خطابات القيادات التي تناوبت على إعطاء تصريحات تحمل بين طياتها مزايدات سياسية واستعراض العضلات التنظيم لكل طرف ...
انتهت التظاهرة وتفرق الإخوة والرفاق وكل طرف يقول لصاحبه في الشارع " والله ما خليناهم ايديرو شعارات ديالهم، كنا واعرين عليهم".
وتناسى الجميع أن القضية الفلسطينية قضية إنسانية لا لون لها ولا دين ولا مذهب ولا عرق ولا رائحة، كالماء الذي نتقاسمه جميعا، وبقيت الآلة الصهيونية تقتل في الأطفال والنساء والشيوخ على حد سواء، ونحن نتظاهر وندين، ونتصارع في إطار التناقض الثانوي ونترك التناقض الرئيسي يهيمن على الجميع.
من مكر التاريخ قبل أسبوع كنت أقرأ قصيدة أحمد مطر بعنوان "حكاية عباس":
صرخت زوجة عباس
ضيفك راودني عباس
أبناءك قتلى عباس
قم أنقدني يا عباس
عباس اليقظ الحساس لم يسمع شيئا
صرخت زوجته عباس ضيفك
سيسرق نعجتنا
نهض عباس اليقظ الحساس
ضرب الأخماس في الأسداس
وأرسل برقية تنديد...
تعليقات