الانتقالات الديمقراطية


مقدمة :
عرف القرن العشرين موجة من الانتقالات الديمقراطية خاصة في منتصف السبعينات، حيث قامت عدة دول بالانتقال من أنظمة شمولية أو شبه شمولية إلى أنظمة ديموقراطية. أي الانتقال من قواعد لعبة مغلقة إلى قواعد اللعبة مفتوحة مبنية على التنافس والنزاهة والشفافية فالمرحلة الفاصلة من نقطة الصفر ( أي النظام القائم) إلى نقطة النظام الديمقراطي هي ما يسمى " بالانتقال الديمقراطي. هذه الأخيرة تطرح عدة إشكاليات خاصة في تحديد هذه المرحلة وتصنيفها وكذلك تميزها عن مفاهيم أخرى مشابهة لها كالانفتاح السياسي، وديناميكية الحقل السياسي والليبرالية السياسية والتحول الديمقراطي هذه الإشكاليات مرتبطة بعاملين أساسيين:
أولهما: هو أن مرحلة الانتقال الديمقراطية تتميز بالهشاشة وأنها مرحلة هجينة ومرحلة مخاض يصعب التكهن بنتائج هذا التحول.
هل حقيقة سوف يفضي إلى نظام ديمقراطي أم إلى نظام آخر؟ فلا يعني - التحول بما يحمل هذا المصطلح من حياد دائما- الانتقال الديمقراطي، فقد يكون التحول من أجل تكريس النظام القائم أو إلى إقامة نظام أكثر شمولي. فتحديد طبيعة المرحلة تتطلب أحد الأمرين: إما انتظار انتهاء المرحلة ثم القيام بالتقييم وجرد المكاسب، وهو أمر جد صعب يضع الباحث في " انتظارية قاتلة" أو الارتفاع فوق المرحلة واعتماد معايير ومؤشرات وهي آليات كمية قابلة للرصد والملاحظة وتمكن من تحليلها.
السبب الثاني: يهم مسألة تحديد المفاهيم فالانتقال الديمقراطي مرتبط بتحديد مفهوم الديمقراطية في حدث ذاته فمع عدم الاتفاق حول تعريف محدد للديمقراطية يصعب تحديد مفهوم خاص بالانتقال الديمقراطي فإن تقديم الديمقراطية على أساس أنها هي مشاركة أكبر عدد من الشعب في تسيير شؤونه فإن هذا التعريف يعتمد على عناصر مادية وقانونية تتجاهل أن الديمقراطية هي ثقافة سياسية واجتماعية.
تنضاف إلى الإشكاليات السابقة إشكالية أساسية في الانتقال الديمقراطي وهي مداخل هذا الانتقال: هل هو مدخل دستوري سياسي أم أنه مدخل اقتصادي أم أن المدخل ثقافي.
إن القانون الدستوري المقارن سوف يمكننا من فهم عدة إشكاليات دون السعي إلى البحث عن حلول. هذا الفهم يمكن الاستفادة منه لتحديد ماهية المرحلة التي يعيشها المغرب فالبراديغم الانتقال الديمقراطي تمكن الناحث من استخلاص آليات الديمقراطية ومؤشرات الانتقال الديمقراطي.
في دراستنا سوف نعتمد على نموذجين عرفا الانتقال الديمقراطي وذلك لسباب منهجية وهما الهند وإسبانيا وأهم ما يميز هاتين الدولتين:
1/- أن إسبانيا تنتمي للموجه الثالث حسب تصنيف صامويل هانتعتون في حين أن الهند تنتمي للموجة الثانية
2/- الخصوصية التاريخية والثقافية لكلا البلدين.
3/- الانتماء الجغرافي، فاسبانيا تنتمي لأروبا في حين أن الهند في آسيا.
4/- الوضع الاقتصادي لإسبانيا يصنفها ضمن الدول المتقدمة في حين الهند ضمن دول العالم الثالث.
5/- وضع دستور ديمقراطي في الهند نتيجة الحصول على الاستقلال بمعنى تتويج للقطيعة مع المرحلة السابقة في حين أن الدستور الإسباني جاء في ظل التغيير ضمن الاستمرارية.
6/-الهند كانت دولة مستعمرة من طرف بريطانيا في حين اسبانيا كانت مستعمِرة.
مقارنة نموذجين مختلفين يطرحان عدة تساؤلات: لماذا تم تعديل الدستور في كلا البلدين؟ وما هي العوامل التي ساهمت في تحديد فلسفة الدستور؟ وكيف تمت هذه المراجعة؟ وما هي أهم المبادئ التي عرفت تعديلات؟ ثم هل حققت هذه المراجعات المنشود منها وهو الانتقال الديمقراطي؟وأخيرا كيف يمكن الاستفادة من هذه التجارب على النموذج المغربي؟.للإجابة على هذه التساؤلات سوف نقسم البحث إلى أربعة فصول مستقلة:
الفصل الأول: العوامل التي ساهمت في المراجعة الدستورية
الفصل الثاني: المراجعة الدستورية
الفصل الثالث: المدخل الدستوري والانتقال الديمقراطي
الفصل الرابع: المغرب والانتقال الديمقراطي.




















الفصل الأول
عوامل الإصلاح الدستوري

هذا البحث ذا طبيعة أكاديمية حول قضية الإصلاح الدستوري، فهي دراسة حول بعض الأبحاث التي أنجزت في موضوع الإصلاح الدستوري. ونشير إلى بعض النظريات المتنافسة وإلى استراتيجيات التغيير المتعلقة بالموضوع وسيكون من العبث رصد كل الدراسات المتعلقة بالإصلاح الدستوري كمدخل للانتقال الديموقراطي أو ما يمكن الاصطلاح عليه ب" الانتقالوجيا".
كما أن هذا البحث يهدف إلى بناء عدة فرضيات حول بعض المشاكل والقضايا التي لها صلة بالانتقال الديمقراطي وذلك بناء على توجه نظري فالمنحى النظري هو السبيل إلى فهم الانتقال وتفسيره وليست غاية في حد ذاتها حتى لا تسقط في التحليل التقني والميكانيكي.
كما أن التجريد لا ينطلق من فراغ ولكن يسعى إلى تأطير مجموعة من الدراسات الامبريقية وتوجيهها لكل من الهند وإسبانيا.
وخلال ما سبق سوف نقسم موضوعنا إلى مبحثين الأول يتناول النسق والثاني الفاعلون.
المبحث الأول: النسق
إن تحليل الإصلاح الدستوري في كل من الهند وإسبانيا يحتاج للإجابة على سؤالين رئيسيين: الأول ما هو سبب وضع دستوري ديمقراطي لهذين البلدين دون ما يقرب مائة دولة أخرى لها نفس الظروف؟ والثاني لماذا تحولت إلى نظم ديمقراطية.؟
ونشير أن هناك نمطين من التحول:
النمط الأول للتحول الذي يمكن اصطلاحه ب" الانتقال المباشر" الذي يجسد الانتقال من نظام شمولي مستقر إلى نظام ديمقراطي مستقل من خلال التطور التدريجي بمرور الوقت ويجسد هذا النظام النموذج الإسباني.
والنمط الثاني هو " جلاء المستعمر" حيث تفرض دولة ديمقراطية على مستعمراتها المؤسسات الديمقراطية. تستقل المستعمرة وتحتفظ بالمؤسسات الديمقراطية القائمة، وتعد الهند مثالا على هذا النمط، كما ينطبق هذا النمط على بعض المستعمرات البريطانية.
إن السؤال الذي يظل قائما هو: ما هي المتغيرات المستقلة التي ظهرت في كل من الهند وإسبانيا وأفرزت المتغير التابع، أي الإصلاح الدستوري، ثمة خمسة متغيرات من هذا النوع يبدو أنها لعبت دورا هاما في ظهور الانتقال في كلا البلدين:
- مشكلة شرعية النظم الشمولية في عالم حازت فيه مبادئ الديمقراطية قبولا لدى الجميع واعتمادها على شرعية الأداء وانهيار هذه الشرعية تحت وطأة الهزائم الاقتصادية.
- النمو الاقتصادي العالمي غير المسبوق والذي ارتقت على إثره مستويات المعيشة والتعليم والطبقة المتوسطة الحضرية.
- التغيرات في العقائد ودور الكنيسة الكاثوليكية وتحول الكنيسة من الدفاع عن الأمر الواقع إلى معاداة النزعة الاستبدادية وموالاة الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية.
- العلاقات مع الاتحاد الأوروبي والتحول الهائل في السياسة الأمريكية إلى دعم حقوق الإنسان والديمقراطية.
-كراث الثلج" دفع بعض الدول للجهود المتوالية الرامية إلى تغيير الأنظمة في الدول.
المطلب الأول: تدهور الشرعية
يقول جون جان روسو: " إن القوي لا يمكن أن يظل قويا بدرجة تكفي لبقائه في موقع السيادة إلى الأبد إلا إذا حول القوة إلى "حق الزعماء المستبدين في الحكم و" واجب" شعوبهم بالطاعة".
سابقا كانت التقاليد والحق الإلهي للملوك وإذعان الشعوب المبرر الأساسي لشرعنة الحكم الاستبدادي أما في عصرنا هذا فقد أصبح الاستبداد يجد مبرراته في النزعة القومية والإيديولوجيا. أما بعد الحرب العالمية الثانية أدى انتشار الديمقراطية وإحداث تغيير هائل في المناخ الفكري السياسي فظهرت نزعة ديمقراطية عالمية وكانت في الدول التي ترفض الديمقراطية تبرر تصرفاتها بمبادئ الديمقراطية.
وهكذا فإن شرعية النظام في إسبانيا والاستعمار في الهند لم يصمد أمام هذا التحول وأخذ في التدهور بمرور الوقت بوجود الاختيارات الجديدة المبنية على حقوق الإنسان وعدم تحقيق الوعود وزيادة الإحباط.
انهيار هذه الشرعية وافقه وعد القادة بالقيام بإصلاحات اقتصادية واجتماعية كمحاولة إقامة الشرعية على الأداء والادعاء أدى إلى ظهور ما يسمى " بمأزق الأداء" حيث بدأت تفقد شرعيتها سواء أحسنت الأداء أو أساءت لأن شرعيتها تقوم على معايير الطلب والعرض عكس النظم الديمقراطية التي تقوم على المنافسة حول الاختيارات الكبرى وللشعب الحكم في رغبته عن طريق صناديق الاقتراع.
لمواجهة تآكل الشرعية في كل من الاستعمار الهندي والنظام الفرانكاوي في إسبانيا يمكن القول قد مر بخمسة مراحل قبل الوصول إلى القيام بالإصلاح الدستوري.
أولا: رفض الاعتراف بالضعف على أمل استعادة قوته في السلطة.
ثانيا: في محاولة البقاء في السلطة اللجوء إلى مزيد من القمع والعنف وكبت الحريات.
ثالثا: إثارة نزاع خارجي والسعي لاستعادة الشرعية بالدق على النزعة الوطنية.
رابعا: محاولة إقامة صورة باهتة من الشرعية الديمقراطية للنظام بالقيام ببعض الإصلاحات في مجال الحريات العامة.
خامسا: قيام القادة بالمبادرة بوضع حد للحكم القائم وإقامة نظام ديمقراطي وهو مثال خوان كارلوس في إسبانيا والحزب القومي في الهند.
المطلب الثاني: النمو الاقتصادي والأزمة الاقتصادية
للعوامل الاقتصادية دور هام في عملية التحول إلى الديمقراطية إلا أنها ليست بالعوامل الحاسمة وثمة صلة بين مستوى النمو الاقتصادي وبين الديمقراطية ولكن ليس ثمة مستوى أو نمط من النمو الاقتصادي يعد ضروريا أو كافيا لتحقيق الديمقراطية. حيث أدت القفزة الاقتصادية في إسبانيا إلى تحقيق مستويات عالية من النمو الاقتصادي مما مهد الطريق لقيام الديمقراطية وسير الإصلاح الدستوري إليها. كما أن التحول السريع زعزع النظام الفرانكاوي فأجبره بالتحول إلى الليبرالية وتكثيف حدة القمع، كما أدت الأزمات الناجمة عن الأزمة الاقتصادية والركود الاقتصادي إلى إضعاف النظام القائم في الهند.
ويعتبر الناتج القومي هو المتغير السائد في الاقتصاد حيث كان يصل دخل الفرد في إسبانيا 2010 دولار ولا يتجاوز 300 دولار للفرد في الهند. فالثراء وحده لا يعد عاملا حاسما وإنما نمط الاقتصاد المبني على التصنيع والاستثمار والهيكل الضريبي حيث كلما انخفض مستوى الضرائب، كلما قلت الأسباب لدى الجماهير للمطالبة بالحياة السياسية فكانت عبارة الضرائب بلا حياة نيابية بمثابة مطلب سياسي أما عبارة " لا حياة نيابية بدون ضرائب" فكانت واقعا سياسيا.
فالاقتصاد القائم على التصنيع يؤدي إلى نظام اقتصادي يتسم بالتنوع والتعقيد والتداخل يصعب على الأنظمة الشمولية والاستعمارية أن تسيطر عليه فالعامل الاقتصادي يوجد تغييرات، في البنية والقيم الاجتماعية يؤدي إلى التشجيع للتحول إلى الديمقراطية على أساس خمسة أسس رئيسية:
أولا: العامل الاقتصادي يؤدي داخل المجتمع إلى تشكيل القيم والتوجهات لدى المواطنين فيشجع على نمو أحاسيس الثقة المتبادلة وإشباع حاجات المعيشة والتنافس مما يتصل بوجود المؤسسات الديمقراطية.
ثانيا: إن النمو الاقتصادي لرفع مستويات التعليم في المجتمع ويميل الأفراد الذين حصلوا على تعليم عالي إلى سمات الثقة والرضا والتنافس وهي السمات التي تلازم الديمقراطية.
ثالثا: يتيح النمو الاقتصادي موارد أكبر بكثير يمكن توزيعها بين فئات المجتمع وبالتالي ييسر عملية التكييف والتعايش.
رابعا: الاقتصاد يتطلب فتح المجتمعات على التجارة الخارجية والاستثمارات الأجنبية والتقنية والسياحة والاتصالات فأدى إلى اندماج الدولتين الهند وإسبانيا مع الاقتصاد العالمي وإلى فتح أبواب التأثير بالفكر الديمقراطي السائد في العالم الصناعي فالحكم المطلق والتنمية الاقتصادية كانا مزيجا مستحيلا، أما الانفتاح على المؤثرات الخارجية والتنمية الاقتصادية فمزيج حتمي.
خامسا: التنمية الاقتصادية تؤدي إلى دفع عملية اتساع الطبقة المتوسطة حيث يصعب قيام الديمقراطية في بيئة تتسع فيها الهوة بين الطبقات حيث توجد أغلبية فقيرة و أقلية ثرية تحتل مقاعد الحكم.بالإضافة إلى ذلك تتشكل طبقة برجوازية وطنية تحمل مشعل التغيير والإصلاح فبدونها لا يمكن قيام أي تحول جدري للمجتمع.
فالطبقة المتوسطة والبرجوازية الوطنية الحقيقية تعدان نتاجا للتصنيع والنمو الاقتصادي خاصة الطبقة المتوسطة الحضرية. ففي إسبانيا كما يقول nancy bemeo كان النمو الاقتصادي قد أدى إلى قيام " أمة" من الطبقات المتوسطة الحضرية الحديثة مما مهد الساحة لإعادة النظام السياسي إلى مشاركة المجتمع".
وهكذا ظهرت تغييرات في التركيبات الاجتماعية والمعتقدات وثقافة المجتمع في كل من الهند وإسبانيا أدى إلى السخط على الحكومات القائمة فالأخيرة عرفت تحولات كبيرة على مستوى النمو السنوي للفرد في المتوسط فقد كان 1- % في أواخر الخمسينات ليصل إلى أزيد من 5.2% في بداية السبعينات أي بزيادة أكثر من 6% أثر على النظام الفرانكاوي الذي حاول قادته أن يؤدوا بهذا النمو إلى سعادة الشعب ورضاه دون الاهتمام بالسياسة إلا أن النمو السريع الاقتصادي أدى في الواقع إلى زيادة الصراعات الكبرى في المجتمع الاسباني و إلى درجة احتدام التغيرات الثقافية والاجتماعية والسياسية التي زادت من الشك في قدرة النظام على البقاء.
وكانت المطالب السياسية التي نتجت عن النمو السريع قد فرضت على اقتصاد أعد القاعدة الاقتصادية والاجتماعية اللازمة لقيام الديمقراطية وفي الستينات تنبأ و"ودو" وزير التخطيط في نظام فرانكو بتحول إسبانيا إلى الديمقراطية حيث يصل إجمال الناتج القومي للفرد إلى مستوى ألفي دولار. وقد كان ذلك. وزادت سرعة التحول بموت فرانكو وتعهد خوان كارلوس بإقامة الديمقراطية ولولا ذلك لكان الاستقطاب قد أدى إلى احتدام العنف الاجتماعي ولكان قد أضفى على مستقبل الديمقراطية في إسبانيا غلالة من الغموض وهكذا توفرت إسبانيا على المتطلبات الاقتصادية والاجتماعية اللازمة لقيام الديمقراطية عام 1975 فتمكنت القيادة الماهرة والملتزمة من التحول إلى الديمقراطية بصورة سلسلة وهذا تماما ما وقع كذلك في الهند حيث أدى إلى مقاطعة البضائع الانجليزية والبحث عن إقامة اقتصاد وطني مستقل إلى إفراز نفس العوامل المتسببة في التحول ونفس النتائج المترتبة على المجتمع.
موجز القول أن النمو الاقتصادي أو الأزمات الاقتصادية أدت إلى تهيئة القاعدة لقيام النظام الديمقراطي وإلى تفويض دعائم الحكم الشمولي على حد سواء.

المطلب الثالث: التغييرات الدينية
يبدو من المعقول أن نفترض أن انتشار المسيحية ساعد على التطور الديمقراطي لكن النموذج الهندي الذي يتشكل من أغلبية الهندوس والكنفوشيوسية ونسبة قليلة من المسيحيين قد قلبت نظرية ويبر التي تربط النمو الاقتصادي بانتشار المسيحية حيث لوحظ أن التحول الاقتصادي والانفتاح الديمقراطي قد ساعد على نشر المسيحية.
إلا أن التطور الذي عرفه رجال الدين في إسبانيا ساهم في تسريع عجلة التحول إلى الديمقراطية ويتمثل في تلك التغييرات البعيدة المدى والتي طرأت على العقيدة والزعامة والمشاركة الشعبية وتدخل الكنيسة الكاثوليكية على مستوى العالم في العديد من الدول. فقد عرفت الكنيسة تحولات في أواسط القرن العشرين حيث أصبحت معارضة ومعادية للنظم الديكتاتورية وخلعت عنها ما كانت تحظى به من شرعية قائمة على الدين وقدمت الحماية والدعم والموارد لقيام حركات معارضة تطالب بالديمقراطية. فقبل الستينات كانت تعارض صراحة الأنظمة الشمولية وكان علماء الاجتماع يتنبأون إلى تحول الكنيسة الكاثوليكية بسبب ما طرأ عليها من تحول إلى قوة ساعية إلى نشر الديمقراطية.
وهذا ما نستنتجه في التجربة الإسبانية كما يقول خوان لينتز:
" كان ظهور أجيال جديدة من القساوسة وزيادة الوعي بالظلم الاجتماعي، وزيادة الاتصال بينهم وبين الطبقة العمالية التي كانت تقل في تمسكها بالمسيحية وتعاطف رجال الدين مع الأقليات الثقافية واللغوية في إقليم الباسك وكطلانية، وتأثير مجلس الفاتيكان الثاني سببا في إفراز حركة نقد وقلاقل بين صفوف الشباب المثقف الكاثوليكي والعلماني ورجال الدين والنزاع مع السلطةّ.
وجاءت القطيعة في النظام الفرنكاوي بانعقاد مؤتمر للجمعية الوحيدة للأساقفة والبطاركة في مدريد 1971 وقدم هذا المؤتمر درسا في الديمقراطية للشعب الإسباني باتخاذ قرارات تؤكد الحق في حرية التعبير وتشكيل التنظيمات والاجتماعات وكل ما افتقده الشعب في ظل حكم فرانكو. ونتيجة لهذا المؤتمر " فصلت الكنيسة نفسها صراحة عن الدولة" وأعلن الفاتيكان تأييدها التام لهذه التحولات بعد أن كانت قد ساعدت نظام فرانكو وفوزه وطالما ساندت حكومته.
بصورة عامة لولا التحولات التي شهدتها الكنيسة الكاثوليكية بإدانتها لمخالفات حقوق الإنسان وإعلان صراحة تحولها إلى الموقف المدافع عن الحرية التي تعد الشرط والأساس الأول لكرامة الإنسان وابتعادها عن السياسة لما كان التحول في إسبانيا قد حدث وإن كان هذا التحول قد تأخر زمنيا، فقد تجسد التحول في الاختيار بين الديمقراطية أوالشمولية مجسدا في الصراع بين الكردينال والديكتاتور.
فإن كانت الكاثوليكية تأتي في المرتبة الثانية مباشرة بعد الاقتصاد كقوة دافعة في الإصلاحات في إسبانيا يمكن أن نزعم أن شعار الإصلاح الدستوري هو صليب مرسوم على علامة الدولار.
المطلب الرابع:العلاقات الخارجية
تتأثر الدولة بسلوكيات الحكومات والمؤسسات الأجنبية والخارجية وخاصة إبان فترة الحكم الأجنبي أو بالاستقلال البلاد الأجنبي وهذا النموذج الأخير تمثله الهند حيث أدى جلاء الاستعمار إلى نشأة دولة تضم مؤسسات ديمقراطية على غرار المؤسسات القائمة في بريطانيا لكن تم ذلك في ظروف اقتصادية واجتماعية شديدة العداء لها.
الفرع الأول:العلاقة مع الاتحاد الأوروبي
كما نجد أن كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة قد ساهمت في التحول في إسبانيا لقد سار الإصلاح الدستوري في إسبانيا متزامنا مع الانضمام لعضوية المجموعة الأوروبية وكان الانضمام إليها ذا أهمية بالغة ففي الوقت الذي كان الانضمام يدعم الالتزام بالديمقراطية ويمثل كابحا ضد عودة الدكتاتورية فقد كانت رغبة قوية لدى الإسبان في الانتماء لأوروبا وكانت السياحة والتجارة والاستثمار جعلت الاقتصاد الإسباني جزء من أوروبا وكان خوان كارلوس يؤكد النداء الوطني لدمج إسبانيا مع "أوروبا وفي أوروبا" وقد تقدمت للانضمام في يونيو 1977.
في هذه الفترة انعقد مؤتمر " الأمن والتعاون" في أوروبا وقانون "هلنسكي" الختامي وبدء ما عرف بعملية هلنسكي وتمت ثلاثة عناصر في هذه العملية أثرت على تطور الديمقراطية وحقوق الإنسان:
أولها: تبني المواثيق الدولية المرتبطة بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية بما فيها حرية الفكر والضمير والدين.
والثانية: منح الولايات المتحدة وحلفائها الضغط على دول أوروبا الشرقية للالتزام بمواثيق هلنسكي.
أما الثالثة: تتعلق بإنشاء لجان ومجموعات مراقبة داخل الدول لمراقبة تنفيذ بنود الاتفاقية. وقد تبنت إسبانيا هذا الاتفاق الذي فتح الأبواب بالإصلاحات في مجال الحريات.
الفرع الثاني. الولايات المتحدة
بدأت السياسة الأمريكية الرامية دفع حقوق الإنسان والديمقراطية في بداية السبعينات. فقد جاءت مبادرة الكونغريس حيث حث تقرير اللجنة الفرعية في أوائل 1974 على اتخاذ الولايات المتحدة التدابير التي من شأنها دفع حقوق الإنسان في سياستها الخارجية وأوصى بعدد من الإجراءات في سبيل هذا الهدف، وأضاف في نفس السنة التعديلات الخاصة بحقوق الإنسان إلى قانون المعونة الخارجية وقانون تبادل المساعدات ونصت هذه التعديلات على اشتراط عدم تقديم المساعدات للدول المتهمة بمخالفة حقوق الإنسان ما لم ير الرئيس أسباب تدعو إلى ذلك. وفي الأعوام 1974 و1975 و1976 ظهر اهتمام الكونغريس جليا بحقوق الإنسان ورغبته في تطبيق العقوبات الاقتصادية على الدول المخالفة لحقوق الإنسان وهكذا كان على كل دولة تريد الدخول إلى السوق العالمي والاستعادة من الولايات المتحدة في علاقاتها التجارية تحسين سجلها الحقوقي بما في ذلك كل من الهند وإسبانيا اللتان كانتا تبحثان على موقع في الاقتصاد العالمي.
المطلب الخامس: كراث الثلج
تسمى "كراث الثلج" أيضا بتأثير العرض العملي" أو " العدوى" أو " الانتشار" أو " المحاكاة" أو " ظاهرة الدومينو". فالإصلاح الدستوري الناجح في دولة ما يشجع الدول الأخرى للمضي قدما، إما لأنها جميعا تواجه مشكلات مماثلة أو لأن دولة لقربها الجغرافي أو التقارب الثقافي فقد كان لجلاء الاستعمار البريطاني من الهند التأثير على هذه الأخيرة التي أصيبت بعدوى المؤسسات والقوانين القائمة في الدولة المستعمرة حيث أخذ منها شكل نظام الحكم وسير المؤسسات السياسية.
كما جاءت نهاية خمسة وأربعين عاما من الديكتاتورية البرتغالية في صورة صدمة عميقة للنظام الإسباني في صورة نموذج معنوي عظيم بالنسبة للمعارضة فزادت المطالب بالتغيير في إسبانيا.
المبحث الثاني: النسق والحالة المغربية
إن الإصلاح الدستوري سيرورة تتحكم فيه ضغوطات نسقية موضوعية تؤثر على إيقاعها وتفسر تذبذبها وتواترها وحدوديتها وهذه الضغوطات هي ذات طابع تكويني أي ترتبط بتطور النسق السياسي والاجتماعي ككل وذات طابع بنيوي له صلة عضوية بطبيعة البنية السياسية والاجتماعية بتحولاتها وضبطها وعلاقتها بالمحيط وما يمكن استخلاصه بالنسبة للمغرب يتمحور حول ثلاثة نقط أساسية سوف نتناولها كمطالب:
المطلب الأول:ول نظام العائلة
وهو الانتقال من نظام العائلة البطريكية المطلقة إلى نموذج آخر لم تحدد معالمه بعد يمكن أن نسميه بنظام العائلة البطريكية المقيدة التي تتمتع فيها المرأة ببعض الحقوق.
هذا الانتقال جاء نتيجة لعدة تحولات عرفها المغرب (الهجرة إلى الخارج التي جعلت المرأة في عدة مدن وقوى ومراكز تقوم بدور رئيس الأسرة المؤقت لكن هذا المؤقت قد يدوم طويلا الشيء الذي يؤثر على العلاقات التقليدية وأفرز أنماطا جديدة من التعامل.
والعامل الرئيسي في كل هذا هو دخول المرأة ميدان العمل المأجور إن نموذج الأسرة الذي قننته مدونة الأحوال الشخصية في أواخر الخمسينات قد تصدع وأدى بشكل مباشر إلى بروز حركة اجتماعية نسوية استفادت من مساندة المنظمات الدولية وغير الحكومية ومن المناخ العالمي كما ظهرت حركة اجتماعية مضادة جمعت خليطا من الإسلاميين والإسلاميات وكذلك كل المرعبين والمرعبات من التحولات التي عرفتها مدونة الأسرة والذين لا يوجدون فقط في المعسكر السياسي اليميني.
وهذه الحركات النسائية لها تأثير على الدولة وعلى عملية الإصلاح الدستوري برمته وما نلاحظه اليوم من مدونة الأسرة التي حققت عدة مكاسب للمرأة والأسرة وتحول هذه الحركات إلى المطالبة بدسترة بعض مواد المدونة.
المطلب الثاني:الملكية العقارية
لقد كان لاستراتيجية الدول المستقلة دور إيجابي في الانتقال الهادئ والسلمي نسبيا من الدولة المستعمرة إلى الدولة الوطنية كما لعبت دورا مهما في استقرار الدولة أمام المطالب الجذرية لممثلي الطبقات المتوسطة الذي كانوا تحت النماذج الاشتراكية أو القومية... الخ .
ولكن نقطة الضعف في هذا التحالف هي أن النظام السياسي سيجر وراءه لزمن طويل قوة لم يستطع جزء كبير منها أن يتأقلم وأن يتأقلم وأن يتغير في حين أن دراسة التجربة الهندية يتبين أن من بين عناصر قوتها هو غياب طبقة الملاكين العقاريين وذلك من جراء إنجاز سياسات الإصلاح الزراعي التي فرضها الأمريكيون في الخمسينات.
إن وجود طبقة قوية للملاكين بدون شك عرقلة للإصلاح الدستوري لعدة أسباب:
- لأن أعضاءها يفضلون الاستثمارات المعتمدة على المضاربة وعلى الربح السريع.
-لأن أعضائها يخافون من أي عملية تحديث لأنها قد تؤدي إلى زعزعة سيطرتهم الاجتماعية والثقافية.
كما أن هذه الفئة تخاف من الإصلاح الدستوري الذي يؤدي إلى تغيير قواعد اللعبة وتفضل الإبقاء على أساليب المنافسة السياسية التي تعتمد على المراعاة والولاءات الشخصية.
واستحضار هذه العناصر يفسر إلى حد ما صعوبات ومشاكل التجربة الديمقراطية في المغرب، ذلك أن اللامركزية المغربية هي الشكل المؤسسي للتحالف القائم بين الأعيان المحليين والسلطة المركزية فهو نظام لا مركزية لا يسمح لممثلي الفئات المتوسطة وللمدن القيام بدور مهم على الصعيد السياسي والإداري.
مما يلاحظ اليوم هو أن النظام الذي قننه الميثاق الجماعي لسنة 1976 وكذلك التقطيع الانتخابي الذي يكرس هيمنة الشبكات القروية عاش فترة أزمة ناتجة عن الدور الكبير الذي احتلته المدن الكبرى وبالتالي الدور المتنامي للشركات المتعددة الجنسية التي تبحث عن نظام لتدبير المدنية يحافظ على مصالحها الحيوية والفئات المتوسطة الحضرية التي تطالب بإعادة النظر في الميثاق الجماعي وفي دور المجموعات الحضرية والمجالس الجهوية وهذا ما تم بالفعل مع الميثاق الجماعي الجديد لسنة 2002.
المطلب الثالث: الدولة
الإشكالية التي يطرحها الإصلاح الدستوري هي كيف يمكن للدولة أن تقوم بدور أساسي في عملية الانتقال إلى مجتمع المعرفة والعلوم والعولمة وهي تعيش مشاكل تتعلق بانتقالها إلى دولة منمية ودولة غير مهيأة على الصعيد العالمي والجهوي وفي نفس الوقت دولة تمارس الديمقراطية وتحافظ على حد أدنى من الحماية الاجتماعية لمواطنيها.
فمن جهة لتحضير الإنتاجية والاستثمار تحتاج الدولة إلى التعامل والتحالف مع المصالح الاقتصادية العالمية وأن تخضع للقواعد الدولية الموضوعية لتسهيل تدفق الرأسمال وتحفيز الأسواق المالية في وقت تطلب من المجتمع أن يصبر حتى تعود عليه هذه الاستراتيجية بالنفع على المدى البعيد.
كما أن الدولة تضطر لكي تكون عضوا صالحا في المجتمع الدولي أن تتعاون مع الدول الأخرى وبالخصوص الدول القوية وأن تقبل التراتبية التي تفرضها موازين القوى وأن تساهم في إخضاع الأمم والجهات المشاكسة دون أن تأخذ بعين الاعتبار العواطف والميولات الحقيقية لمواطنيها.
لكن الملاحظ أنه كلما كانت الدولة فعالة ومندمجة في النظام الدولي كلما وجدت صعوبة في تمثيل قواعدها الوطنية. وكلما شددت على بعدها الهوياتي وبالغت فيه كلما فقدت فعلها كمساهم في تدبير الشراكة الدولية.
كما يطرح تساؤل حول كيف يمكن للدولة أن تقود المسيرة الاقتصادية وهي تتعرض لثلاثة سيرورات هجومية:
عولمة الأنشطة الاقتصادية وما يترتب عنها من تقليص لدورها الاجتماعي
عولمة الجريمة وما يترتب عن ذلك من شلل لقدرة الدولة على الفعل
عولمة شبكات الاتصال وما لذلك من تأثير على سيادة الدولة
عموما يبدو أن المغرب اختار طريقه عندما صرح الملك الراحل سنة 1994 بأنه ليبرالي وعندما أصدر المجلس الدستوري في نفس السنة قراره الذي صرح فيه بعدم دستورية القانون المصادق على المرسوم المحدث لرسوم على الهويات المقصرة.
المبحث الثالث: الفاعلون
إن العوامل النسقية تخلق الظروف الملائمة للتحول إلى الديمقراطية، فالنظام الديمقراطي لا يقيمه اتجاهات، بل يقيمه الشعب، ولا تقوم الديمقراطية بالأسباب بل بمن يتسببون فيها، فتوفر الظروف لا يعد كافيا لقيام الديمقراطية، ومهما كانت دوافع الزعماء السياسية فإنه ينبغي لبعضهم أن يتطلع إلى قيامها ويتخذ من الخطوات ما يؤدي إلى قيامها ولا قبل لهم بتحقيق الديمقراطية من خلال الرغبة والمهارة إذا لم تتوافر شروط قيامها. فالزعماء السياسيين وحدهم هم من الذين يستطيعون بإرادتهم أن يحققوا أهداف الديمقراطية.
المطلب الأول: الفاعلون الرئيسيون
بعد وفاة الجنرال فرانكو سنة 1975 تولى " خوان كارلوس" مقاليد السلطة في ظل استمرار المؤسسات الديكتاتورية وقد أقسم يمين الولاء لمبادئ " الموفيمينتو" أي مبادئ حركة فرانكو وكان هذا الأخير قد ترك الأمور معقدة في أحكام " أطادو أي بيين" لكي يستمر الوضع كما أنشأه.
وقد اجتاز الملك الجديد وضعا جد عصيب من جراء تحفظه فيما بين اقتناعه بضرورة التغيير الذي يمكن إسبانيا من أن تلتحق بركب أوروبا، وبين الوفاء لمبادئ الموفيمينتو التي كانت تحتم على إسبانيا بأن تبقى معزولة في متحف متقطع الصلة عن أوروبا، فكان المتوقع هو إرساء دعائم ملكية تصف تسلطية منفتحة على الأحزاب المعتدلة مع إقصاء الأحزاب الراديكالية ولكن ما حدث كان غير متوقع حيث عزل الملك الوزير الأول الموروث عن نظام فرانكو في يونيو 1976 "ارياس نافارو" وتعويضه "بألدولفوسواريز" مدير تلفزة الدولة الذي لم تكن له روابط إيديولوجية ولا اهتمام بمصالح الحرس القديم حيث كانت تتمتع بالبرغماتية المطلقة التي طبعت رجل السلطة المدمجين من قبل فرانكو في آخر أيامه سوف يلعب هذا الوزير الأول دورا هاما في التحول في إسبانيا إذ قدم اعتمادا على أصله الباعث على الطمأنينة، ضمانات للقادة المنفذين ولرجال الجيش، مما سمح للحكومة الجديدة بمد جسور الحوار مع المعارضة دون أن تنتج عن ذلك ردة فعل مدمرة للتغيير من قبل أولئك الذين يخشون مثل هذا التقارب.
وقد تمكنت الحكومة من حمل أعضاء " الكورتيس" على تعطيل النظام الذي هم أنفسهم يمثلونه وذلك بالاعتماد على فتوى " صون طور كواتدفير نانديت ميراندا" الذي أفتى بأنه إذا كانت مبادئ الموفيمينتو قانونا فإن القانون يتم تغييره بقانون جديد .
بناء على هذا القانون أقبل الملك على اتخاذ قوانين جديدة استنادا إلى شرعية القوانين التي أقامها فرانكو وفي نفس الوقت بدأت الحكومة بالاعتراف بالحزب الشيوعي وإخراجهم من دائرة المنع التي بقوا فيها لسنوات طوال كي يشاركوا بصفة شرعية في الحياة السياسية. كما عرفت نفس الفترة إرساء الحكم الذاتي لتلبية مطالب القوميين الباسك والكاتلان وتفادي تفتيت الخريطة الترابية للبلاد.
اكتسبت استراتيجية الملك ووزيره سواريز إذن مشروعية مؤقتة فصار من اللازم تقوية هذه المشروعية بوضع دستور جديد للبلاد وهو ما تم تحقيقه في نهاية 1978.
أما في الهند فقد كانت لشخصية المهاتما غاندي دور رئيسي في وضع أسس الاستقلال بالبلاد حيث قاد حركة سلمية تتمسك بمبدأ ال" لاعنف" كاستراتيجية و تاكتيك استطاع بعد سنوات من الكفاح أن تجعل الهند تحصل على الاستقلال.
فانطلاقا من عام 1920 حول المهاتما غاندي المؤتمر القومي من حزب للقادة يتم اختيارهم سنويا إلى حركة شعبية يسمح لجميع الهنود بالانضمام إليها، فقد أدى توسع هذا الحزب إلى إعلان الزعيم الهندي العصيان المدني ضد الاحتلال البريطاني ما بين 1920 و1922. وقد تزعم في بداية الثلاثينات حركة العصيان المدني لمعارضة الضرائب التي تفرضها الحكومة البريطاينة على المواطنين في الهند وتعتبر Quit India نقطة حسم في تحول مسار هذا الزعيم حيث أطلق سنة 1942 حركة تحرير الهند من الاستعمار البريطاني ليتحقق الاستقلال منذ عام 1947.
ولقد أدى اغتيال غاندي من طرف متطرف هندوسي عام 1948 وتولي خلفه جواهر لال نهرو إلى السعي لوضع دستور جديد يحاول أن يعبر أن سيادة الدولة الوطنية وضم الأقاليم إليها وهو ما تم الإعلان عنه في 1950.
إن الدور الذي لعبه الزعماء السياسيين في كلا التجربتين لا ينفي بوجود فاعلين آخرين وإن لم يكونوا بنفس الأهمية إلا أن دورهم كان أساسيا في عملية التحول والبناء الديمقراطي.
المطلب الثاني: الفاعلون الثانويون
خلصت العديد من الدراسات التي تناولت بالتحليل الإصلاح الدستوري في إسبانيا إلى أن مفتاح نجاحه يكمن في وسيلة " التفاوض" بشأن الأسس التي يجب أن تحكم الانتقال وتحدد أبعاده وهو تفاوض موسوم بالاعتدال الذي جعل الطبقة السياسية تعي أهميته التاريخية والاستراتيجية وتسعى إلى البحث عن التوافقات الممكنة عبر التنازل المشترك والمتبادل بين مختلف مكونات الحقل السياسي الإسباني.
لقد قامت أحزاب اليسار والمنظمات العمالية إلى تقريب تصوراتها وصياغتها نظريا وفكريا وقد تحقق ذلك بالتئام اجتماع باريس والإعلان عن تأسيس الكتلة الديمقراطية الإسبانية بتاريخ 29 يوليوز 1974 مؤلفة من الحزب الشيوعي الإسباني وحزب العمل والحزب الاشتراكي الشعبي، نقابة اللجان العمالية وشخصيات محايدة لها وزنها السياسي بالبلاد، وقد تمكن من تحديد مطالب برنامج مكون من اثنتي عشرة نقطة، شكلت في مجملها ما يسمى أطروحة القطيعة الديمقراطية والذي يهدف إلى إقامة نظام تعددي والاعتراف بالحريات العامة.
وبعد التقارب بين الشيوعيين والاشتراكيين ثم البحث عن توسيع قاعدة الكتلة، دفع بقادتها إلى إعادة صياغة المطالب وهيكلة الكتلة وفق تصورات متطورة حيث استبدلت الكتلة الديمقراطية بأرضية التوافق الوطني إيمانا من اليسار بأن الواقع السياسي قد تبدل ووصل إلى درجة من التعقيد والدقة والسياسة ما يجعل مفهوم القطيعة موضوع مراجعة وإعادة نظر في موقع التنظيمات اليسار ضمن ميزان القوى الوطني لا يسعفها وحدها في إنجاز برنامج القطيعة. وهذا دليل على واقعية اليسار الإسباني ونضجه السياسي.
لقد تضمنت أرضية التوافق الديمقراطي بقيادة زعيم الحزب الاشتراكي العمالي " فليبي كونزاليس" تصورات ومطالب معتدلة خلافا لما ورد في برنامج التنظيمات السياسية والتيارات المتشددة يمكن حصرها في مجال حقوق الإنسان والحريات العامة والديمقراطية والتعددية السياسية.
يضاف إلى أحزاب اليسار الجيش إذ أكدت العديد من الدراسات إلى أن للجيش دور كبير في إقرار دستور 1978 فالتحول من الديكتاتورية إلى الديمقرطية لعب فيه الجيش مهمة جد صعبة من خلال موقفه من عملية التوافق وتطوراتها الدستورية والسياسية فقد ظلت هذه المؤسسة وفي عهد فرانكو من 1936-1975 بعيدة عن التوترات السياسية والصراعات الاجتماعيةإذن فقد أدت التطورات التي عرفتها إسبانيا بالجيش إلى التعاطي مع الإشكاليات السياسية بجدية فبرز نقاش حاد بين الداعمين للفرانكوية والعناصر الأخرى المحترفة بقيادة الجنرال Diez فقد ذهب هذا الأخير معززا بأطر عسكرية مهمة إلى الاعتقاد بوجود ديمومة نظام فرانكو وأن نظام السياسي يجب أن يكون ولائه لنظام قادر على الحفاظ على مشروعيته الخاصة مؤهلا لأن يوفر للمؤسسة العسكرية الوسائل الكفيلة لإقامة دفاع فعال.
أما رجال الدين لم يبقوا بعيدين عن ديناميكية التحولات التي قادت إسبانيا إلى دستور 1978 فإن كانت الكنيسة بعيدة عن الحياة السياسية منذ 1936 إلا أنه بعد النقاش الذي بدأت تعرفه اسبانيا حول الدستور الجديد دفع الأساقفة إلى الاجتماع العام لهيئة الأسقفية في نونبر 1977 الذي أصدر بلاغ ينبه فيه إلى الطابع العلماني لمشروع الدستور الجديد وحذر من تداعياته على الكاثوليكية كدين للبلاد إلا أنه في المؤتمر اللاحق للأسقفية في مارس 1978 سيلحق بمسيرة التفاوض الوطني ويعلن عن نزوعه إلى التراضي بخصوص دستور 1978.
أما في الهند التي كانت تعرف حزب مهيمن هو حزب المؤتمر الوطني كان كفاعل رئيسي بقيادة المهاتما غاندي فقد تأسس عام 1885 كمتندى لدعم المقاومة الوطنية ضد الاحتلال البريطاني أما الدور الكبير لعبه رجال الدين حتى لا تسعف الدينية والعرفية بما حققه الاستقلال من سيادة وطنية فإن كان الدستور هيمنت عليه الطائف الهندوسية فإنه بالموازاة كانت تتم مفاوضات مع الشيخ عبد الله رئيس مؤتمر الرابطة الإسلامية فقد أفضى الاتفاق إلى سيطرة الهندوس على الهند في حين تسيطر الأغلبية المسلمة على باكستان وهكذا فقد أصبح الشيخ عبد الله عام 1948 بعد اغتيال الزعيم الهندي غاندي وباتفاق عقد مع جواهر لال نهرو أول رئيس وزراء على كشمير.
إن ما يمكن استخلاصه من التجربتين في إطار التحليل الاستراتيجي هو إيمان مختلف الفاعلين بعدم " الربح المطلق أو الخسران المطلق" وتمسكهم ب" الربح النسبي أو الخسران النسبيّ لكن كيف هو حال الفاعلون في المغرب؟.
المبحث الرابع: الفاعل في المغرب
يمكن أن نتصور أن الإصلاح الدستوري هو نتيجة لسلوك فاعلين سياسيين سلوك عقلاني يحركه منطق الربح والخسارة والثمن الاجتماعي للتغيير ويبدو أن الإصلاح الدستوري كوليد لتحركات إستراتيجية أو بعبارة أخرى هو نتاج لإستراتيجيتين أساسيتين في المغرب الإستراتيجية الملكية من جهة وإستراتيجية الحركة الوطنية من جهة أخرى.
والإصلاح الدستوري لسنة 1996 هو تجسيد لالتقاء هاتين الاستراتيجيتين بعد تباعد دام عدة سنوات وتم التعاقد بشكل سري لإعادة الروح إلى الدولة والمجتمع الذي كاد أن يصاب بالسكتة القلبية.
إن العقد المبرم ليس تحالفا منظما يقدم مشروعا سياسيا متكاملا بل يقتصر على تهيئة الشرط الأولي كي يمكن أن يتم هذا الإصلاح في أحسن الظروف وبأقل خسارة ممكنة.
من خلال الدراسة الاستراتيجية لكل من الهند وإسبانيا ولفهم الإشكالية المطروحة في المغرب يجب أن نستحضر بوضوح ما هو الشرط الأولي الذي ينص عليه العقد الوطني التاريخي إنه اتفاق على خلق شروط الانتقال الديمقراطي ويبدو التعاقد في هذا المستوى حاملا لغاية نبيلة جعلته لا يراعي الإجراءات والأشكال التي تعرف الديمقراطي كفضاء علني وعمومي للتوافق وكمسطرة اتخاذ القرار بالأغلبية مع بقاء القرار ساري المفعول إلى أن تقرر أغلبية أخرى العكس.
إن الغاية هنا حسب الفاعلين هي التي تبرر الوسيلة وتبرر الشكل وتبرر عدة أسرار (ما سماه اليوسفي أسرار الدولة).
إن هذا التحليل يقرن الإصلاح الدستوري بدور الفاعلين السياسيين وهو بدون شك مفيد لا محالة في فهم هذه السيرورة إن الفاعل جزء لاا يتجزأ من سيرورة الإصلاح وينبغي الاهتمام باستراتيجيته وأهدافه وخطابه....
كما أن فكرة التعاقد تقوم بوظيفة أساسية في التحول إذ تسمح لبعض الفاعلين بالتأقلم مع الأوضاع الجديدة وبتبرير مواقفهم وبصورة عامة بإبراز أنهم فاعلون في عملية الانتقال وليس مجرد أثاث ينقل من اليسار إلى اليمين أو من الجهة إلى تلك.




















الفصل الثاني
المراجعة الدستورية

إن أهم ما يناقش في أي مراجعة دستورية هو السلطة التأسيسية الأصلية من جهة إذ أنه من خلال السلطة التأسيسية يمكن معرفة طبيعة النظام القائم فالدستور قد يكون ممنوحا أو تعاقدي أو موضوع من طرف جمعية تأسيسية أو بناء على استفتاء.
ومن جهة أخرى المبادئ التي يقوم عليها الدستور ونقصد بها الحريات العامة والسلطات العامة هذه الأخيرة من خلال توزيعها يمكن الجزم بشكل نظام الحكم هل هو ملكي أـم جمهوري؟ وطبيعة التنظيم السياسي هل رئاسي أم برلماني أو شبه رئاسي؟ لهذا سوف نقسم موضوعنا إلى مبحثين:
الأول: يتناول السلطة التأسيسية والثاني المبادئ التي يقوم عليها الدستور.
المبحث الأول: السلطة التأسيسية
إن السلطة التأسيسية الأصلية هي الجهة التي تضع الدستور في أول مرة أما السلطة التأسيسية الفرعية فهي الجهة التي يخول لها الدستور حق طلب مراجعته وفق مسطرة معينة وتجدر الإشارة إلى أن إشكالية السلطة التأسيسية لا تطرح إلا في الدساتير الجامدة التي تتطلب تعديلها لمسطرة خاصة عكس الدساتير المرنة التي يتم تعديلها وفق مسطرة تعديل القوانين العادية.
المطلب الأول: السلطة التأسيسية الأصلية
لقد تولى وضع الدستور في كل من الهند أسبانيا جمعية تأسيسية عكس المغرب الذي تم وضع دستوره من طرف الملك الراحل الحسن الثاني وعرض على الاستفتاء للمصادقة عليه..
ففي إسبانيا تم إعداد ظهير بمثابة قانون وصودق عليه كنظام انتخابي مستوحى من المشاريع القديمة لfroga قدمت لحكومة أرياس ومرورا بمقتضيات قانون الإصلاح السياسي: برلمانيون محدود العدد بالنسبة لعدد أولئك الذين لهم الحق في التصويت وبلوائح مرشحين مغلقة ومحصورة، نظام انتخاب بالأغلبية النسبة لمجلس الشيوخ ونسبي جدا لمجلس النواب يظمنان مسبقا نظاما سياسيا لحزبين غير مكتمل.
وسيعتمد في الانتخابات جهاز مزدوج للأمن ضامن للإصلاح هما: يعين الملك مباشرة عددا مرتفعا من الشيوخ والإبقاء على الجند في الثكنات في حالة انتظار لحظة إجراء الانتخابات. دون تجاهل كون الإصلاح برمته كان يتوفر على آلية أمن عام: وهو القانون التنظيمي الذي ينص في مادته الخامسة أن الملك يمكن أن يعرض مباشرة على الشعب اختيارا سياسيا متعلقا بالمصلحة الوطنية حتى يتقرر عن طريق استفتاء تكون نتائجه ملزمة لجميع أجهزة الدولة.
وعلى البرلمانيين أن ينتخبوا ضمن الإطار الضيق لقانون الإصلاح السياسي والقانون الأساسي الانتقالي ولا يمكن لهم أن يكونوا مؤسسين وقد كانت الآجال المحددة لإجراء الانتخابات قصيرة جدا لا تتجاوز شهرين بمعنى أنه لم تجر أية حملة انتخابية كاملة في وسعها جمع الناس باسم اختيار دستوري فعلي.
فالجمعية والحال هذه، ستكون تأسيسية من الناحية المادية فقط ولهذا فقد ظلت الاختيارات الدستورية مقصية من كل نقاش عمومي إذ بقي مسألة حزبوية بالمعنى الواسع في غياب الشعب حسب تراث عصر الأنوار.
ولا يمكن اعتبار البرلمان الجديد تأسيسا إلا لاحقا. وما يمكن أن يطلق عليه كتيار حديث في الأنظمة الديمقراطية ب " ديمقراطية تمثيليةّ في اتجاه "ديمقراطية الشرعنة" ويمكن القول أن النظام السياسي الإسباني بناء على طبيعة هيأته التأسيسية نظاما مشرعنا منذ البداية بجمعية تأسيسية غير مؤسسة.
أما في الهند فقد تم إقرار الدستور الهندي في العام 1950 عن طريق الجمعية التأسيسية وكانت تشمل على عدد كبير من البارزين في مجال القضاء والمحاميين والخبراء الدستوريين والمفكرين السياسيين وقد تم تشكيلها منذ عام 1947 بمعنى أنها استمرت تعمل لمدة ثلاث سنوات تقريبا، وناقشت بصورة مسهبة قضية العلمانية والجهوية ومن الشكل البرلماني.
المطلب الثاني: السلطة التأسيسية الفرعية
اسبانيا (انظر الملحق 1)
الدستور هو أسمى قانون في البلاد وما يميزه عن القوانين العادية من الناحية الشكلية هو خضوعه لمسطرة خاصة في تعديله (نقصد هنا بالدساتير الجامدة) ومن قبل سلطة ينص عليها الدستور في حد ذاته وتبعا لذلك إذا فوض الدستور السلطة التشريعية حق القيام بتعديل أحكام الدستور وقواعده، فيجب على هذه السلطة أن تمارس التعديل وفقا للإجراءات المحددة. وبطبيعة الحال يجب أن تكون تلك الإجراءات مغايرة لتلك المتبعة مغايرة لتلك المتبعة في القوانين العادية وإلا انتفت عن الدستور صفة الجمود.وهذا ما أخذت به كل من إسبانيا والهند والمغرب.
ففي إسبانيا تنص المادة 166 من الدستور أن " اقتراح التعديل الدستوري يتم وفق المقتضيات في الفقرة الأولى والثانية من المادة 87.
لقد قضت الفقرة الأولى من المادة 87 من الدستور أن الأصل في الاختصاص هو للكورتيس الإسباني وأجاز للجهاز التنفيذي اقتسام هذه السلطة مع كل من مجلس النواب ومجلس الشيوخ.
وإذا كانت مبادرة الاقتراح وفقا للفقرة الأولى من صلاحية الحكومة والبرلمان فوفقا لما ورد في الفقرة الثانية من نفس المادة سمح للمجموعات المستقلة أن تلتمس من الحكومة تبني مشروع أو إيداع مقترح لدى مكتب مجلس النواب مع انتداب ثلاثة نواب على الأكثر من أجل الدفاع عن الاقتراح أو المشروع أمام الغرفة المعنية.
وتنص المادة 167 مشاريع التعديل الدستوري يجب أن تحظى بموافقة ثلاثة أخماس أعضاء كل مجلس من مجلسي البرلمان وإذا لم يحصل الاتفاق بين المجلسين، فإنه يتم التوصل إلا الاتفاق عن طريق إنشاء لجنة مكونة من عدد متساو من النواب والشيوخ تعمل على تقديم نص يكون محل تصويت من قبل مجلس النواب ومجلس الشيوخ.
إذا لم تحتم الموافقة وفق المسطرة المذكورة في الفقرة السابقة فإن لمجلس النواب بأغلبية الثلثين أن يصادق على المراجعة شريطة أن يكون النص قد حظي بموافقة مجلس الشيوخ بالأغلبية المطلقة.
يعرض التعديل الذي حظي بموافقة الكورتيس على الاستفتاء من أجل المصادقة عليه، وذلك إذا قدم عشر أعضاء أحد المجلسين طلبا في هذا الشأن داخل خمسة عشر يوما التي تلي المصادقة.
أما في الهند فإن المسطرة تخضع للمادة 368 التي تلزم أن يكون في كل مجلس أكثرية مطلقة وأكثرية ثلتي الأعضاء الحاضرين والمصوتين كذلك بالنسبة النصوص التي تعدل توازن السلطات، مصادقة نصف المجالس النيابية على الأقل في الولايات وتعرض للبطلان كل تعديل يخالف الحقوق الأساسية ولقد وسعت الرقابة لتطال حتى التأسيس للمجلس النيابي.
أما في المغرب فوفقا للمادة 103 للملك والبرلمان حق اتخاذ المبادرة قصد مراجعة الدستور فالملك يستفتي شعبه مباشرة في شأن المشروع أما البرلمان فإنه يتوجب موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب وثلتي أعضاء مجلس المستشارين وتحال الاقتراح للاستفتاء بمقتضى ظهير ولا يمكن مراجعة الدين الإسلامي والنظام الملكي حسب المادة 106.
نلاحظ تقاطع النماذج الثلاثة من ناحية صلاحية كل من الهيئة التنفيذية والبرلمان بتقديم الاقتراح ولكن الاختلاف على مستوى المسطرة كل نموذج على حدة.

المبحث الثاني: المبادئ التي يقوم عليها الدستور
على غرار أي دستور، فالدستور الإسباني يتكون من دستور صريح وهو ما تم وضعه من قبل الهيأة التأسيسية وهو البرلمان كان نتاج لدستور ضمني عبارة عن مجموعة من المواثيق والقرارات المعدة والموقعة سلفا بين مختلف الفاعلين السياسيين. فهذا الدستور الفوقي لا يشكل قاعدة مغلقة بصفة نهائية وغير قابلة للتغيير فهي نتاج علاقة قوى سياسية محددة وتخضع لعمل الفاعلين السياسيين تخضع لتنوع السلط التي حاولت إيجاد توازناتها ( في هذا الدستور) ولتأويل الفاعلين الحاسمين. وقد تم وضعه في حدود الدستور الصريح لأن الدستور الضمني لا سند له غير الإرادات السياسية لمن عقدوه والحال أنه قد تم إنجازه بصرامة والمسألة المختلفة هي تأكيد تأثيره في تلك المرحلة فإذن ينبغي عرض مقتضياته الأساسية وعدم المس بالملكية.
ولا يمكن طرح المشكل الملكي للدولة وكذلك مسألة التاج إذ ليس في وسع الدستور المادي (الصريح) مناقشة هذه المسألة كما ترجع للملك القيادة العليا للقوات المسلحة التي حصل عليها بناء على دستور دولة فرانكو. وهذا ما يمكن ملاحظته فيما يتعلق بالسلطات " الماهرة" للملك، من خلال محاولة انقلاب 23 فبراير الذين أعلنوا عن ولائهم للملك رغم أنهم لم يكونوا أوفياء للديمقراطية، ويحيل هذا التناقض في الولاء على الشرعنة السابقة على الدستور للملكية. وتشبث الملك برغبة الشعب والدستور الذي يوجد فوق الجميع.
يكرس الدستور الصريح للملكية البرلمانية شكلا سياسيا للدولة كما ينص على ذلك "الملك الأسبانية نظام وراثي ينتقل إلى ورثة جلالة الملك دون خوان كارلوس دي بوربون الوريث الشرعي للملكية التاريخية" مع الإشارة أن الدستور يمنع على تولي الحكم النساء.
إن الدستور الإسباني يفرض إجراء استفتاء على تصرفات الملك ولكنه يجعل منها أفعالا غير قابلة للخرق.
ولقد منح الدستور في المادة (1-8) للجيش فضلا عن الدفاع عن الوحدة الترابية وهو أمر مشترك في بعض الدساتير لكن ما يلاحظ هو منحه الدفاع عن النظام (الأمن) الدستوري وتأتي هذه الصلاحية من شرعية دولة فرانكو بدون إدخال أي تغيير عليها اللهم ما كان من تغيير لفظ مؤسساتي ب"دستوري" ولا يوجد له مقابل في دستورانية الدول الأوروبية الأخرى.
كما تنص المادة 8 إلى حق الجنسيات والجهات في الاستقلال الذاتي وتشير المواد 99 -108 و113 من دستور 1978 إلى الحكومة وعلاقتها بالبرلمان فحسب المادتين 99 و109 فإن رئيس الحكومة يتولى المنصب وهو في الواقع المسؤول الوحيد أمام مجلس النواب ولا يوجد " استجواب قبلي" للمرشحين للمناصب الوزارية أو مسؤولية كل وزير أمام البرلمان، فهناك فقط مسؤولية تضامنية للحكومة عبر رئيسها حتى ولو تعلق الأمر بمسؤولية من الصعب عمليا فرضها طبقا للمادة 119 التي تنص على ما يطلق عليه "ملتمس رقابة بناءة" تضعف كل مسؤولية أمام السلطة التشريعية.
ويعتبر ملتمس رقابة بناءة صيغة استثنائية لا توجد إلا في الدستور الألماني لما بعد الحرب تحت الوصاية السياسية للقوات المحتلة وتقتضي الرقابة على رئيس الحكومة للقبول الموازي برئيس بديل كما تفرض من أجل الأمرين معا وجود أغلبية مطلقة بمجلس النواب وهو شرط يستحيل توفيره ويمارس رئيس الحكومة اختصاصات واسعة فهو إما يتوفر على أغلبية برلمانية أو أغلبية نسبية عينته. هذه العوامل تدفع إلى القول بأن نظام إسبانيا نظام سياسي بدون مسؤولية برلمانية.
أما في مجال الحريات فإن الدستور 1978 في مادته الأولى " إسبانيا دولة اجتماعية ديمقراطية للحق والقانون" فيقصد بدولة اجتماعية أنها دولة توزيعية تعترف للأشخاص بحقوق ذات طبيعة محددة، ودولة " الحق والقانون" فقد تأثر بcarta- magna الصادر في بريطانيا حيث قام باستعماله أحد مقرري دستور 1970 أثناء وضعه نفس اللفظ carta- magna
فبعد النظرة الشاملة حول دستور إسبانيا لسنة 1978 ننتقل إلى دراسة الدستور الهندي 1950.
يعلن الدستور الهندي في مادته الأولى: " أن الهند جمهورية ديمقراطية وعلمانية ذات سيادة". فالشكل الجمهوري والعلماني لا يمكن المساس بهم في الدستور الهندي كما يدخل ضمن الحظر التقسيم الاتحادي للدولة. فنظامها السياسي جمهوري ذو طابع اتحادي.
وينظم الدستور مؤسسات رئيس الدولة ورئيس الوزراء وا والسلطة التشريعية والقضاء والحكومات المحلية.
فالرئيس هو أعلى سلطة تمثيلية في هرم الدولة، وتعتبر صلاحياته شرفية فقط تتمثل في الدفاع عن الدستور، المصادقة على القوانين وإصدار مراسيم العفو، ويعتبر القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية، يتم انتخابه لعهدة واحدة مدتها خمس سنوات. يماثل الرئيس في الهند الملك في النظام الإسباني لكن الخبرة الهندية تشير إلى نجاح بعض الرؤساء في الحصول على بعض السلطات وممارستها أحيانا نفوذا مهما في القرارات الحكومية.
أما رئيس الوزراء فهو رأس الحكومة، ويملك أغلب السلطات التنفيذية يختاره نواب الحزب الحاكم أو أحزاب التحالف التي تملك الأغلبية البرلمانية لا ينص الدستور على اختيار رئيس الوزراء من بين نواب البرلمان، على أن هذا كان حال بعض من تولوا هذا المنصب .
أما السلطة التشريعية فتتمثل في مجلسين المجلس الأدنى ّ" لورد سابها" أو مجلس الشعب و المجلس الأعلى " راجيا سابها: أو مجلس الولايات.
فمجلس الشعب يضم 545 عضو يتم انتخابهم بالاقتراع العام المباشر فيما عدا عضوين يعينهما رئيس الدولة لتمثيل مجتمع الهنود الانجليز يتناسب عدد المقاعد المخصصة لكل ولاية واتحاد إقليمي عدد السكان مدة دورة المجلس خمس سنوات لكن الرئيس يمكنه حل المجلس بناء على توصية رئيس الوزراء أو نتيجة سحب الثقة من الحكومة.
أما مجلس الولايات ينتخب أعضائه بواسطة أعضاء المجالس التشريعية بالولايات فيما عدا اثني عشر عضوا يعينهم الرئيس ممن يملكون معرفة خاصة أو خبرة عملية في الأدب والفنون.... يختار الأعضاء المنتخبون بالاقتراع التمثيلي النسبي لدورة مدتها ستة سنوات. يتجدد الثالث كل سنتين وأغلبية الثلتين مطلوبة لبعض التعديلات الدستورية وبعضها أيضا تصديق نصف الولايات.تخضع الهيئة التنفيذية للهيئة التشريعية. ويترأسه نائب الرئيس الذي ينتخبه المجلس الشعبي.
للهند نظام قضائي مستقل يمثله رئيس المحكمة العليا وهي أعلى الهيئات القضائية، تتمتع المحكمة السيادية بحق النظر في قضايا المنازعات التي تحدث بين الولايات الاتحادية والسلطة المركزية، وكذا صلاحية نقض قرارات المحاكم العليا الهندية. هناك 18 محكمة عليا في الهند ويتم الاحتكام إلى رئيس الدولة في حالة نزاع بين الهيئة القضائية والهيئة التشريعية.
تتكون الهند من اتحاد 28 ولاية وسبعة أقاليم اتحادية يتم تشكيل حكومات الولايات بعد تشكيل الحكومة المركزية ولكل ولاية من الولايات تشريع يحكم شؤون الولاية. أما إقليما دلهي وبوند يشيري الاتحاديان فلهما تشريعاتهما الخاصة ويترأس كل واحدة حاكم يعينه رئيس الهند لمدة خمس سنوات.
وفيما يتعلق بالحريات العامة فقد كرس القسم الثالث للحقوق الأساسية التي لا يمكن تعديلها تحت طائلة البطلان وعنوان القسم الرابع للمبادئ الموجهة لسياسة الدولة ومنذ عام 1976 خصص للقسم (الرابع أ) الواجبات الأساسية زد على ذلك أن الدستور نص على تدابير حفظ وظائف ومقاعد انتخابية لصالح الطبقات المختلفة.
إن كلا من الدستوريين الهندي والإسباني يرسمان معالم نظام برلماني حيث رئيس الوزراء له صلاحية واسعة في مقابل صلاحية رمزية لرئيس الدولة مع تداخل عمل الهيئة التشريعية والهيئة التنفيذية، هذه الخاصية الأخيرة التي نجد مثيلها في النظام الدستوري المغربي لكن يختلف معهما في كون الهندسة الدستورية تمنح لرئيس الدولة اختصاصات واسعة جدا مع دور محدود للوزير الأول.
فالنظام الدستوري المغربي يجمع بين خصائص النظام الرئاسي فيما يتعلق باختصاصات رئيس الدولة ونظام برلماني معقلن من زاوية العلاقة بين البرلمان والحكومة.
كما أنه في الدستور الهندي والاسباني يقر صراحة ولا رجعة في العلاقة بين الدين والدولة وبناء نظام علماني وهو ما لا يمكن أن نجد إلا عكسه في الدستور المغربي من خلال الفصل السادس الذي يعتبر أن الإسلام دين الدولة والفصل 19 الذي يقر برئيس الدولة كونه أمير المؤمنين.












الفصل الثالث
المدخل الدستوري للانتقال الديمقراطي

في البداية لا بد من تقديم تعريف للديمقراطية فهذا المفهوم الغربي المنبث، فهي تأتي نتيجة ظواهر اجتماعية معقدة أكثر من كونها نتاجا لصراع من أجل الأخذ من طرف جماعات منظمة.
ولتفادي السقوط في شباك التعريفات التي قد ترفض لتطبيقها قياسات غربية وأخرى تأخذ بتفوق عرف على آخر أو قد ترفض لأنها مغرقة بالنسبية حتى أنها تشتمل أي نظام من الأنظمة المختلفة لتفادي هذا السقوط فإنما نشير إلى التعريف الذي يقدمه المذهب الدستوري الذي يشير إلى " حكم القانون" الذي يحمي نواحي معينة من الحياة ضد الحكم الاعتباطي ويجعل المنافسة أمرا ممكنا بين القيم والمصالح المتعددة وكذلك الحل الوسط بين استراتيجية تمثل على العموم مطالب اجتماعية مهمة.
إن هذا التعريف يحيلنا إلى البحث عن الإصلاح الدستوري كمدخل للانتقال الديمقراطي وعلاقة الديمقراطية بالتنيمة.
المبحث الأول: الإصلاح الدستوري كمدخل للانتقال الديمقراطي
مفهوم الانتقال الديمقراطي يرادف مفهوم التراضي حسب صمويل هانتكتون أو يرادف مصطلح التوافق السياسي ويحيل أيضا إلى التعاقد الضمني بين الفاعلين السياسيين الذين يعطون تأويلات لهذا المفهوم هذه التأويلات المختلفة للمفهوم يعكس تاريخيا حالة سياسية واجتماعية تتميز بواقع اجتماعي وسياسي متحرك لم يكتمل بعد شكله النهائي، واقع لم يحصل فيه بعد التحول من واقع التراكم الكيفي والنوعي أو ما يسمى في أدبيات المنهج الدياليكتيكي التحول من الكم إلى الكيف بمعنى كيف تنتقل إلى الديمقراطية؟ بمعنى كيف تؤسس لانتقال ديمقراطي يقوم على مرجعية الى المأسسة والعقلانية؟ أي كيف تنتقل من نسق سياسي اجتماعي تقليدي مغلق إلى نسق سياسي يقوم على أساس الحرية والديمقراطية فالانتقال وفق هذا التصور يقوم على القطيعة مع الماضي ويؤسس لواقع لا يقوم داخل النسق الاجتماعي والسياسي مع الماضي يقوم أساسا على إصدار دستور كمطلب أساسي ديمقراطي يؤسس لنظام برلماني وذلك على غرار كل من اسبانيا والهند.
إن المدخل الدستور للانتقال الديمقراطي يقوم على ثلاث أسس:
أنه تغيير سلمي مرحلي وتوافقي
فكل إصلاح دستوري يستلزم تشخيص للخلل ثم يأتي الإصلاح بعد هذا الخلل ويقوم هذا الإصلاح بناء على تغيير سلمي و تعاقدي وتدريجي وهو عكس الثورة التي تطالب بالقوة فالدستور هو بمثابة المفاتيح التي تفتح الأوراش الأخرى اجتماعية واقتصادية وثقافية ودينية....
المبحث الثاني: الديمقراطية والتنمية
إن ما ذكرناه حتى الآن فيما يتعلق بالانتقال الديمقراطي أن يتخذ أشكالا مختلفة باختلاف البلدان التي تنمو من داخلها والبلدان التي لم تعرف هذا التحول الذي يراعي ذاته بذاته فإمكانية بقاء الأفراد والجماعات أو الأقليات بمنأى عن ضغوطات السستام الاقتصادي والإداري أمر أيسر منالا في البلدان النامية كالهند منه في المجتمعات التابعة كإسبانيا" ففي المجتمعات التي لا يأتيها التحديث إلا بتدخل خارجي سواء كان هذا الخارج دولة قومية أو مصدر آخر تكون الحقوق المطالب بها حقوقا طائفية أكثر منها فردية فضلا عن أنها أقرب إلى مقاومة سياسة التحديث المفروضة عليها، منها إلى الدفاع عن الحريات الشخصية هل معنى ذلك أنه سيسفر عن مضاعفات ضد الديمقراطية، وأن للديمقراطية لا مكان لها في مجتمع يتناهبه تدخل الدولة السلطوي من جهة والمقاومات الطائفية من جهة أخرى إذ تظل معرضة باستمرار لاعتماد لغة الخصوصية فتتحول بذلك إلى دولة توتاليتارية إن الإجابة على هذا السؤال قد يؤدي بنا إلى ما مفاده أن الديمقراطية لا تكون إلا في الدول الغنية.
إن هذا القول الذي كثيرا ما يجري ترويجه هو قول متناقض تماما عما عارضناه حتى الآن من تجربة الهند فالديمقراطية هي البحث عن صيغ التوافق بين الحرية الخاصة والتكامل المجتمعي أو بين الذات والعقل، وفي حالة المجتمعات الحديثة.
أما اعتبار الديمقراطية هي صفة ملازمة للتحديث الاقتصادي، أي لتلك المرحلة التاريخية التي تجري باتجاه عقلنة الوسائل، فأمر مختلف تماما. ففي الحالة الأولى هي اختيار أما في الحالة الثانية فهي تظهر بشكل طبيعي في مرحلة معينة من مراحل النمو بحيث يشكل اقتصاد السوق الحرية السياسية والعلمانية ثلاثة أوجه من عملية عامة واحدة هي عملية التحديث ليس هناك تطور طبيعي نحو الديمقراطية في البلدان النامية ولا هناك قدر سلطوي مقدر على البلدان المتخلفة لكن التاريخ برهن أيما برهان ذلك لكن العمل الديمقراطي الإيجابي يتجه في البلدان الغنية نحو الحد من سلطة الدولة على الأفراد بينما نجد في المجتمعات التابعة أن إثبات الخصوصية لوجودها إثباتا دفاعيا هو الذي يسهل العمل من أجل وضع اليد من جديد وبصورة جماعية على وسائل التحديث. إن الديمقراطية تستطيع أن تطرح على نفسها مهاما إيجابية في مجال تنظيم الحياة المجتمعية في البلدان ذات النمو الحداثي أما في البلدان الأخرى فعملها يتصف بالعكس، بصفة سلبية نقدية فهو يدعو بالدرجة الأولى على تحرير الاستقلال أو إلى القضاء على السلطة الأوليغارشية أو إلى الاستقلال العدالة أو إلى تنظيم الانتخابات الحرة، فالانتقال من التحرير إلى تنظيم الحريات هو الأمر العسير وكلما كان المجتمع تابعا واتكاليا كان تحرره ينطوي على تعبئة قتالية، فتزداد بذلك مخاطر انتهاء النضال التحرري إلى وضع سلطوي "نموذج المغرب" إن ضرورة عدم إقامة التعارض بين البلدان النامية بما هي أرض الديمقراطية التليدة وبين البلدان المتخلفة بما هي خاضعة لقدر الأنظمة السلطوية أمر يفرض نفسه بحدة إذ نحى.... بما هو مصطنع في هذا الفصل بين العالمين الذين يطلق عليهما اليوم اسم الشمال والجنوب من جهة ومن جهة أخرى إذا أخذنا بتجربتي اسبانيا والهند فالواقع التاريخي يشير إلى أن البلدان المهيمنة قد طورت الديمقراطية الليبرالية لكنها فرضت إلى ذلك سيطرتها الامبريالية أو الاستعمارية على العالم، في موازاة ذلك نشأت في البلدان المغلوب على أمرها وكان تحرر قومي ومجتمعي وكانت بمثابة الدعوات إلى الديمقراطية.
إن إدراجنا لهذا الفصل ليبين أن الإصلاح الدستوري في كل من الهند إسبانيا ليس مر الغاية بل هو وسيلة لتحقيق الديمقراطية مسلك طريق الانتقال الديمقراطي. وإن كانت تجارب أخرى يكون الإصلاح الدستوري فيها إما للتحول إلى أنظمة توليتارية أو سلب حقوق. كما أن الديمقراطية ليس لذاتها بل للنتائج المترتبة عنها من تحقيق النمو وتوسيع مجال الحريات العامة. وإن كان ليس هناك أي أدنى تعارض بين الديمقراطية والتنمية فقد تتشكل الديمقراطية في ظل مجتمع متخلف كما يمكن أن تولد في مجتمع حداثي. كما أنها قد تكون سببا لهذا النمو أو نتاجا له.
فهل يمكن أن تنمو الديمقراطية في بلد مثل المغرب؟ وهل ما عرف من إصلاحات دستورية تعتبر مدخلا للانتقال الديمقراطي؟ وهذا ما سوف نحاول معالجته في الفصل الثاني.






الفصل الرابع
المغرب والانتقال الديمقراطي

إن باراديغم الانتقال الديمقراطي يحيلنا إلى محاولة رسم معالم دستور ديمقراطي والآليات التي يقوم عليها كما تمكننا الدراسات من استنتاج بعض المؤثرات وحتى لا نقول كلها للحكم على المرحلة هل هي انتقال ديمقراطي أم أنه تحول ليبرالية أم يندمج في خانة ديناميكية الحقل السياسية. وهو ما سوف نحاول تحليله في مبحثين مستقلين:
المبحث الأول : آليات دستور ديمقراطي
يسود الحديث في الحياة السياسية المغربية حول مفهوم الانتقال الديمقراطي فمن الفاعلين من يقول أننا نعيش انتقال ديمقراطي وآخر أننا انتهينا منه وآخر يرى أننا نبدأ في الدخول.
وهكذا يتم الحديث عن الانتقال الديمقراطي بدون وعي لما فهيمه الحقيقية واستقطاب لمضامينه. فالانتقال الديمقراطي هو عملية مركبة وممتدة وعملية تدريجية وهي عملية خلخلة أي غير ثابتة لأن هناك نقطة بدء وهناك نقطة وصول وبينهما حالة يمكن القول بأنها حالة انتقال ديمقراطي، إن نقطة الوصول هي الديمقراطية. هذه الأخيرة لها تعاريف متعددة قد تكون متباينة وقد تكون متطابقة لكن آليات الديمقراطية هي ثابتة ومحددة بكل عالمي وكوني ليست فيها خصوصية وتتجلى الخصوصية فقط في إعلام هذه الآليات. نضع جانبا النقاش الفكري والفلسفي حول ما هي الديمقراطية؟ ولماذا الديمقراطية؟ ونجيب فقط بأنها أقل الأنظمة سوء ولننتقل كيف نشيد الديمقراطية؟ بمعنى ما هي آليات دستور ديمقراطي؟
سوف نقسم المبحث إلى مطلبين الأول يتناول ماهية الدستور الديمقراطي والثاني مرتبط بحقوق الإنسان والواقع.

المطلب الأول : ماهية دستور ديمقراطي
ينبني دستور ديمقراطي على فكرة مركزية وهي الإنسان وهي الفكرة الأساسية في الحداثة والعلانية التي تجعل الإنسان قادرا على حل إشكالات حياته فالآليات هي أربعة :
الأولى، تتجلى في سياسة الأمة التي أنهت فكرة التفويض الآلهي فقبل سيادة الأمة كان الحكام يحكمون بتفويض من الله ويعتبرون هم وسطان بين الله والبشر وهم مستخلفون في الأرض. وقد جاءت الثورات ضد الحكام بناء على فكرة كلنا مستخلفون في الأرض وأن لهم تقرير بالنجاعة حلولا لمشاكلهم. وتتمثل هذه السيادة في وضع وثيقة دستورية هي بمثابة عقد بين الحاكم والحكوميين فإن كان للأخير الطاعة فعلى الأول الالتزام بمجموعة من الوجبات تتجلى في الحرص على المصلحة العامة، وهذه الوثيقة تكون موضوعة من طرف هيئة تأسيسية منتخبة لها الصلاحيات وفق شروط معينة بتحديد شكل النظام وطبيعة التنظيم السياسي مع إحالة المشروع الدستور للاستفتاء ليقول الشعب كلمته الأخيرة فيه. فإن كان الدستور المغربي منحة فإن من الناحية الشكلية يكون بعيدا عن الدستور الديمقراطي.
النقطة الثانية، وهي متعلقة بفصل السلط لأن السلطة لا يمكن أن تحدها إلا سلطة أخرى وجمع السلطات في يد واحدة تحت أي مبرر فهو متناقض مع الديمقراطية. ونقصد بفصل السلط على مستويين:
المستوى العمودي هو فصل السلطة المركزية عن السلطة المحلية بإعطاء المحلي حرية تدبير شأنه اليومي بعيد عن التدخل السلطة المركزية تتمتع فيها باستقلال سياسي واقتصادي وإداري أما على المستوى الأفقي فيقصد بت فصل السلطة الدينية عن السلطة السياسية فلكل سلطة مجالها وحقلها الخاص دون تداخل بينهما. كما يندرج فصل السلطة العسكرية عن السلطة السياسية فالجيش له دوره في الحفاظ على الأمن بمفهومه الواسع الداخلي والخارجي لكن السياسات العامة الوطنية هي من اختصاص رجال مدنيين لهم اطلاع بمجريات الأمور منتخبين من طرف الشعب.
كما يندرج فصل السلط على المستوى الأفقي فصل السلطة القضائية على السلطتين التشريعية والتنفيذية فالعدالة هي أساس الحكم ينبغي استقلالها عن أي مؤثرات خارجية.
أما على مستوى العلاقة بين السلطة التشريعية والتنفيذية، فإن الفصل التام بينهما يؤدي إلى انغلاق التنظيم السياسي على ذاته وفقدانه أي تأثير أو نفوذ على المجتمع المدني والدولة. لقد جرى تعريف الديمقراطية بالدرجة الأولى هي تعبير عن السيادة الشعبية، فماذا يحل بعده السيادة إذا كانت كل سلطة مستقلة عن الأخرى؟ إن القانون سرعان ما يصبح أداة أو وسيلة من وسائل الدفاع عن المصالح الأقوياء إذا لم هم لم يخضع باستمرار للتعديل والتغيير إذا لم تأخذ الأحكام القضائية بعين اعتبارها تطور الرأي العام.
وهذا ما تضطلع به الأحزاب بشكل خاص، أما الفكر الليبرالي فإنه يتجه نحو العكس الفصل التام. فيعتبر "مايكل فالزر" أن من الأساسي أن يكون هناك استقلال لمجالات الحياة المجتمعية التي يقابل كلامهما صالح مهيمن والتي ينبغي أن تشكل بالتالي عددا موازيا من "دوائر العدالة". لكن الممارسة تظل بعيدة عند هذا الفصل التام خاصة حينما تعمد الدولة إلى تعبئة المجتمع من أجل تغييره. فالديمقراطية لا تتحدد بفصل السلطات بل بطبيعة العلاقة القائمة المجتمع المدني والمجتمع السياسي والدولة، فالضرورة تحتم تداخل بين الهيئة التشريعية التنفيذية.
إن في المغرب لا يمكن الحديث عن أي فصل خاصة على مستوى أمير المؤمنين كما لاحظ باحث أن في المغرب ليس هناك توزيع لسلط وإنما هناك توزيع للوظائف ووجود سلطة واحدة تمثلها المؤسسة الملكية.
الآلية الثالثة وهي احترام حقوق الإنسان والحريات العامة كما هو معمول بها في التشريعات الدولية. وكما هو متعارف عليه عالميا أي أن تحترم كافة الحقوق والعودة لحقوق الإنسان العالمية الكبرى بدأ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948 والعهدين الدوليين والالتزام بالتشريعات المتعلقة بعدم التمييز بين المرأة والرجل وعدم الانفلات من العقاب معاهدة روما 1998.
فدولة الحق هي التي تحد من سلطة الدولة التعسفية وتساعد هذه الدولة على الشكل والتكون وعلى تأطير الحياة المجتمعية بدعوتها بوحدة التنظيم القانونية وتماسكه. فالديمقراطية لا تولد من دولة الحق بل المناداة بمبادئ معنوية كالحرية والمساواة باسم الأكثرية التي لا سلطة لها وضد المصالح المسيطرة ففي حين تسعى الجماعة السيطرة إلى إخفاء العلاقة المجتمعية خلف بعض المقولات الوسائلية كما قارنا ماركس فتتحدث عن مصالح وعن بضائع، وتعزل مقولات اقتصادية بحثة، تعتمد في مرجعيتها اختيارات عقلية. تعمد الجماعات المغلوبة على أمرها بالعكس إلى استبدال التعريف الاقتصادي لوضعها بتعريف خلفي فتتحدث باسم العدالة والمرية والمساواة والتضامن. إن الحياة السياسية مجبولة على هذا التضاد القائم بين قرارات سياسية وقانونية تضرر أوضاع المغلوبين على أمرهم والأقليات وتصرر أوضاع الجماعات المسيطرة. لهذا فمبدأ العدالة يجب أن يتم بالاستثناء إلى الصالح العام، فالديمقراطية لا يجب أن تختزل في المؤسسات وتحديد السلطات بل أيضا ربطها بنظرية الحقوق وعن ممارسة هذه الحقوق.
الآلية الأخيرة هي تمثيلية الأمة أن يتم اختيار من يمثل التعب بطريقة حرة ونزيهة وليس فيها تزوير وحيازة أولئك الممثلين على صلاحيات وسلطات التطبيق البرامج التي تعاقدوا بها مع الناخبين فالدستور الديمقراطي يفترض بالدرجة الأولى أن يكون الحكم ذوي صفة تمثيلية، أي أن تكون هناك قوى مجتمعية فاعلة بحيث يكون عملاؤها السياسيون وسائلها وأمواتها أي ممثلين لها.
هل تشكل المقومات الأربعة التي يقوم عليها دستور ديمقراطي أربعة أوجه لمبدأ عام واحد؟ يكاد يبدو من الطبيعي أن نما هي بين الديمقراطية والحرية أو بصورة أدق التماهي بينها والحريات. لكن ما يبدو لنا تقدما على صعيد التغيير ما هو إلا رجعة إلى تعريف أضيق، ففكرة الحرية لا تتضمن فكرة التمثيلية ولا فكرة المواطنة. إنها تتضمن فقط في غياب الإكراه والإلزام. والكلام عن الحرية كلام شديد العمولة الذين يقبضون على مقاليد السلطة السياسية ناهيك بتصرفهم بممارسة العنف المشروع.
والواقع أن استقلالية الآليات بعضها عن بعض كبير جدا بحيث أن بوسعنا الكلام على أبعاد الدستور الديمقراطي أو على شروطه فيكون كلامنا أدق من الكلام على مقوماتها المكونة لها. إذ أن كلامه هذه الأبعاد ينحو بحق التعرض مع الأبعاد الأخرى في الوقت الذي قد يكون له أن يتسق معها.
فما هي أبعاد الدستور المغربي؟ هل المرحلة التي يؤطرها يمكن الحكم بأنها مرحلة انتقال ديمقراطي؟
المبحث الثاني : مؤشرات الانتقال الديمقراطي في المغرب
المطلب الأول : الربط بين نظريات و تراكمات الانتقال الديمقراطي
إن التمييز بين النظرية والفرضية في الانتقال الديمقراطي، فنظرية الانتقال الديمقراطي تثير نقاشات وتحتضن داخلها العديد من الأطروحات، أطروحة التغيير السياسي، أطروحة التغير الديمقراطي، مسلسلات الدمقرطة، ثم هناك التراضي في الانتقال الديمقراطي في شكل نماذج بشرية تقدمها لنا في شكل وصفات بعض التجارب، تجربة أمريكا اللاتينية وجنوب إفريقيا وإسبانيا والبرتغال. وبالتالي يمكن التمييز بين سيكولوجيا الانتقال إما الانتقال عبر الانتخابات التعددية أو الانتقال عبر ما يسمى بالمؤتمرات الوطنية وتكوين حكومة انتقالية وجمعية تشريعية ووضع دستور. وبالتالي أته الانتقال الديمقراطي على مستوى النظرية أن كل تجربة يمكن أن تقيد النظرية كما أنها يمكن تقييد الفرضية يمكن هنا التمييز بين مدخلين: مدخل ما يسمى بالماكروسياسي التجارب التي انتقلت عبر وضع الدساتير وهناك مدخل الميكروسياسي، وهو أقرب إلى التجربة المغربية أن إصلاح السياسات العمومية وفضاء الإدارة... إلى غير ذلك يمكن أن يقود إلى عملية انتقال – هناك بعض المعادلات لتحديد المفهوم أن الانتقال الديمقراطي هو يفيد إلى ظرف دقيق يعيشه النظام السياسي وهو بصدد يغير التنظيم القديم والانتقال تنظيم جديد يعتمد أدوات التدبير الديمقراطي وأسلوب المسألة كذا نظام للمجتمع والحكم، هو ظرف دقيق يعيشه النظام السياسي يتميز بتقييمه ورسمه للماضي وتغيير مساراته مع تفكيك الأنماط والتحالفات السياسية وإعادة النظرية في استراتيجية الفاعلين السياسيين وفي أسلوب عمل السلطات ووضع السياسي. الانتقال الديمقراطي هو ليس وصف لحالة عابرة ولكنه ضرورة غير قابلة للاختزال ي مجموعة من الوقائع والأحداث عارضة.. الانتقال هو شيئين : 1-الانتقال إلى الحكم الديمقراطي، 2-الانتقال إلى المجتمع الديمقراطي فهو مسلسل تتحكم في مداه البعيد أو القصير أو المتوسط ضغوطات نسقية أو مقاومات موضوعية تؤثر على إيقاع الانتقال وتفرض لحظات تؤكد تؤثر وصراعات بين الفاعلين السياسيين- تناول معادلة الانتقال داخل النسق السياسي والاقتصادي والاجتماعي المغربي يقتضي اعتماد هذه الوصفات التي تقدمها تجارب تولية متعددة بمعنى اعتمادها مرجعية لتحديد طبيعة الوضعية الراهنة دينامكيتها أو ثابتها وتحديد ما يسمى بالجغرافيا المؤسساتية وسلوكاتها للفاعلين لذلك لوضع وتأسيس إطار عام تساؤولي حول مسلسل الدمقرطة تحديد هذه الطبيعة تقتضي وضع مؤثرات (ليتكون هناك حياد العلمي أومسافة ضرورية مع الظاهرة المصوفة).
المطلب الثاني : مؤشرات الانتقال الديمقراطي
المقصود بالمؤثرات فهي عبارة عن إجراءات تمكن من تركيب مجموعة من المعلومات حول النظام السياسي المغربي لاستخراج ظواهر محددة تمكن من تحديد توجهات نظام سياسي معين في مرحلة معينة:
المؤشر الأول، قياس ثقافة الفاعلين السياسيين، يلاحظ أن هناك غموض على مستوى المعادلات الاختلالية هناك خطاب متناقض البعض يعتبر أنها أسسا مرحلة الانتقال والأثر يتولى أن المغرب يستعد لما يسمى بمداخيل السيكولوجيا للانتقال، البعض الآخر يقول أنها في وسط الانتقال وبالتالي ينبغي شطر ما كتب لإذن هناك غموض حول هذا المفهوم وهناك البعض من يدعو إلى تحقيق ما يسمى بالانتقال الحقيقي للانتقال الديمقراطي على أن هناك انتقال وهمي وهناك انتقال حقيقي.
وفي ثقافة الفاعل السياسي هناك خلط ما بين المقاربة الشخصانية للسياسة والمقاربة المؤسساتية للانتقال نستحضر من تصريح "عبد الرحمن السيوطي" لـ TV5 فبراير 2001 يقول "أنا رجل الانتقال" أي هناك تداخل للمقاربة الشخصانية للسياسة والمقاربة المؤسساتية للانتقال، أيضا من خلط ما بين الممرات الدستورية والمقابلات الدستورية (أو ما يسمى بالتراضي) فالاجتماع والتوافق هو عبارة عن مقايضة دستورية وبجانبه الانتقال الديمقراطي المتفاوض حوله إذن هناك عملية خلط في هذا المجال.
المؤشر الثاني، وهو ما يسمى بالمؤسسة: بمعنى قياس درجة التدبير القضايا الكبرى والملفات بطريقة مؤسساتية، والابتعاد عن ما يسمى الفردانية السياسية، وهنا إذا أخذنا حالة مثلا الطريقة التي أدير بها ملف قانون الأسرة إذا استرجعنا السياق التاريخي منذ 1957 يتبين أنه في سنة 2003 وقع تطور للتدبير بطريقة مؤسساتية، فالنقاش انطلق من المجتمع ثم انتقل إلى الأحزاب السياسية ثم انتقل إلى المؤسسات فحسمه الملك، شق تشريعي جسم بحق دستوري وشق الإنساني أعطاه للبرلمان وهذا شيء جيد حيث بين أن هناك طريقة جديدة لتدبير الملفات، لكن قياس درجة المسأسسة على هذا المستوى يبين أن هناك خلل في المؤسسة بنفسها على مستويات أخرى، مثلا في العمل البرلماني أو على مستوى العمل الحكومي نرى كيف توظف هذه المؤسسات وما تخلق لها مثلا من خلال في سيرها والحالة للأمانة العامة للحكومة مثلا مشروع قانون 2005 المالي، فلما كانت المعارضة تستعد للقيام بعملية طعن في هذا القانون فإنه تم تصويت علية يوم 28 وصدر بالجريدة في يوم 29 دجنبر (صباحا). فإذا أردنا أن تقييم عمل الأمانة العامة للحكومة فليست لها معايير يمكن أن تؤجل القانون إلى 30 أشهر ويمكن أن يعجله في نصف يوم أو يوم، أيضا هناك ما يوجد ويشكل ذلك على مستوى المؤسسة وهو ما يسمى وزارة شبح داخل إطار الحكومة الحالية وهي الوزارة التي منحت لوزير بدون حقيبة، هذه الحالات تبين أننا نتقدم لقياس تقدم وتراجع أننا تتقدم على مستوى المأسسة وحالات أخرى في نفس الوقت تبين أننا ثابتين أو نتراجع.
المؤشر الثالث، درجة استقلال القضاء وطبيعة المنتوج القضائي، مثلا هناك على مستوى المجلس الأعلى للقضاء بقراءة النظام الأساسي له نرى أن هناك ازدواجية رئاسية لسلطة التنفيذية على السلطة القضائية، وزير العدل ثم الكاتب العام للوزارة، أيضا في نفس الوقت هناك تقدم وهو ناتج عن إكراه خارجي بما يسمى بتمويل الإصلاح وهو إصلاح ميكروسياسي هناك خطاب البنك الدولي حول القضاء ثم اتجاه البنك الدولي لإصلاح جانب واجهي القضاء وهو القضاء لتجاري بالأساس ومنا يطرح إشكال هل يريد انتقال المغرب نحو الانتقال الديمقراطي أم أنه يريد وضع ما يسمى بالليبرالية الاقتصادية؟ وكذلك في القضاء هناك جانب آخر يمكن اعتباره إيجابي، اجتهادات المحاكم الإدارية ومثال بأن المحاكم الإدارية بدأت تلزم السلطة بتحديد مفهوم لما يسمى "بالنظام العام" وهذا مؤثر إذا ما قرن مع اجتهادات أخرى يبين أن هناك تطور على مستوى القضاء.
المؤشر الرابع، حركية البحث وهنا نميز بين البحث الحكومية التي لم أتحدث عن معايير تحديد البحث هل هناك ما يسمى بتجاوز المعاقل التقليدية المعاقل الجغرافية في تغيير النصب؟ يتبين أن سياسة التعيين لازالت غير واضحة على مستوى تعيين البحث الحكومية المغربية. ثم هناك دوران البحث حول ذاتها، على هذا المستوى. حذر السلطة في هذا الجانب من البحث على عكس ما يسمى ببحث المجالس العابرة (مثلا هيئة المصالحة والإنصاف) أيضا إذا ما ذهب إلى البحث الاقتصادية هناك إشكال آخر وهو أنه الدراسات التي وضعت للمغرب منذ سنة 1905 إلى 1969 أعطت شجرة لما يسمى بالبحث التجارية الكبرى، الدراسات التي قدمت مؤخرا سنة 2004 حول (الباطرونا) رجال الأعمال الذين يحتكرون القرار الاقتصادي والمالي تبين أن هذه الأسر انتقلت من أسر تجارية تقليدية إلى مقاولات أخرى وهامش توسع هذه الأسر لا يتجاوز نسبة 0,2% وهذا يطرح إشكال على مستوى الدور الذي يمكن أن ينعكس على المستثمر الأجنبي؟ وعلى اعتبار هناك رهان على المستعمر الأجنبي لتغيير مجموعة من السياسات في المغرب بمعنى أن المستثمر الأجنبي يصطدم بمعاقل تقليدية وأحيانا بينة سياسية وهي أيضا تقليدية.
على مستوى النخب الحزبية ظاهرة واضحة وهي ما يعرف بالشيخوخة بل توجد ظاهرة تسمى ببداية غزو العصيبة التكنوقراطية للنسق الحزبي بالإضافة فإن هذا الوضع يعطي خلل في التنظيم على اعتبار يفرض اختلاف بين العرض الحزبي ومتطلبات السوق الاجتماعية بمعنى الوضعية التنظيمية للأحزاب السياسية إذا ما حاولنا أن نقيسها على المؤثر التي تعطينا أن هناك خلل بين العرض الحزبي وما بين متطلبات السوق الاجتماعية.
المؤشر الخامس، وهو ممارسة المواطنة: بالممارسة المواطنة نسجل أن هناك رفض بما يسمى بالحركات المجتمعية على اعتبار أن هناك في نظريات الانتقال الديمقراطية تركيز على الحركات المجتمعية، تبين أنه لازال هناك صراع في المغرب ما بين الحركات المجتمعية والسلطة السياسية حول ما يسمى بالمجال العمومي بمعنى أنه ليس هناك استعداد القبول لممارسة المواطنة عن طريق الاحتجاج والمطالبة بالحقوق المشروعة أحيانا تحل محل السلطة السياسية في التنظيم بل قيام الحركات المجتمعية يطرح إشكالا، إن هذه الحركات وخاصة الاحتجاجية هي تنتقل وتهدد التنظيم ككل على اعتبار أنها انتقلت من الحركات ألف مميت إلى حركات سلمية، الآن وخاصة بعد السنتين الماضيتين هناك سلوك وهو محاولة الانتحار الجماعي إلى غير ذلك وهنا استحضر مثال سنة 2002 كان شعار تردده الحركات المجتمعية "ماخدام ماردام باغي نموت مع صدام" إذن هذا التفكير يقودنا لما يسمى بعمليات الاحتجاج الجنائي إذن هناك حركات اجتماعية يقاس بها مدى درجة الانتقال من تنظيم إلى تنظيم.
المؤشر السادس، معدلات المشاركات السياسية، التي يمكن أن نسجل فيها أن هناك ضعف التعبئة وأزمة التواصل ما بين الأحزاب السياسية والمواطنين وظهور ما يسمى بالنزعة اللاتسييس وبالتالي فإنه رغم الجهود الذي قامت بت الدولة يتبين هناك عدم قدرة سيكولوجية الانتخابية على أحداث تغيير جذري في الانتخابات بتحفيز بالناخبين بالمشاركة ويطرح سؤال حول التنفيذ السياسي أو أدوات الوساطة على اعتبار عملية حسابية إذا ما أخذنا عدد المنخرطين في الأحزاب السياسية ووضعناه على عدد المصوتين يعطينا هامش كبير بمعنى وجود فراع كبير. أيضا عدد المسجلين على عدد المصوتين يعطينا مساحة كبيرة غير معروضة الجهات التي تؤطره وهذا أيضا يطرح إشكال وهو أن الانتقال الديمقراطي يحتاج مرحلة تعبئة وتكون هناك كذلك جغرافيا سياسة واضحة أمام الفاعلين.
المؤشر السابع، طريقة تصفية مخلفات الماضي: أي ما يسمى بالعدالة الانتقالية وهنا أقف على الطريقة التي تلقى بها الفاعلون السياسيون هذه العملية وأعط هنا شهادتين: شهادة الخطيب كيف تلقى هذه المسألة والحزب الوطني الديمقراطي الذي عاد بالذاكرة إلى سنوات الستينات وشهادة لفاعلين ديمقراطيين وهي شهادة اليزغي كتبها أثناء الجلسات واعتبر أن هذه العدالة الانتقالية وقياس مخلفات الماضي هي نتيجة لمهج القوى الوطنية في عملية المصالحة والمساهمة في المؤسسات منذ سنة 1998 بما أن هناك يمكن اعتبار نظرة إما قديمة بالنسبة للقوى التي تعتبرها محافظة إما أنها نظرة نفعية بمعنى قد حلينا عقدة التناوب أي ليست هناك قراءة في الحدث في حد ذاته قراءة فيما يسمى بالعدالة الانتقالية وليس هناك تفكير في سؤال ما هي الأدوات أو الآليات التي وضعتها الدولة لاستقبال الفراغ الذي يمكن أن يحدث بعد تصفية هذه المصالحة مع الماضي.
من خلال هذه المؤشرات لنصل إلى نتيجة :
1)-لما نحاول أن نشرع ما يجري في المغرب نجد أن هناك عدم التطابق لا بين الخطاب السياسي والإكراه السياسي والفعل السياسي.
2)-نعيش مرحلتين متداخلتين إذا ما نهجتا النظريات الانتقال الديمقراطي، مرحلة النقاش حول وجود أزمة اقتصادية تعرقل النمو وتساعد في إعاقة توزيع الموارد تتخللها إعلانات عن اختلالات مالية كبرى داخل المؤسسات العمومية وفي نفس الوقت هناك دعوة إلى التعبئة وهذه التعبئة التي هي شرط أساسي للانتقال الديمقراطي فيها خطابات متناقضات خطاب المشروعية الفعالية (القوى الحداثية) وهناك خطاب ما يسمى المشروعية التاريخية (الوطنية العودة إلى سنة 1944 خطاب حزب الاستقلال) والمرحلة الثانية القرار الإصلاح، وإرهاصات المناظر لازالت غير واضحة للانتقال أمثلة حدوثة الانتخابات، تفعيل بعض المؤسسات الكبرى، بعض القرارات في المجال الاقتصادي والاجتماعي ...
3)-طغيان المقاربة الميكروسياسية وجود عصبية تكنوقراطية ترى أنه يمكن حل جميع المشاكل في المغرب عن طريق وضع الهياكل التنظيمية.
بشكل عام الوضعية الحالية للمغرب أن النظام السياسي المغربي بمؤسساته وفاعليه واقتصاده... ومجتمع أنه ليس كما كان ولكن لم يأخذ بعض نسق جديد أو شكل جديد وهي وضعية لا انتقالية بمعنى أننا أمام نسق اقتصادي واجتماعي وسياسي قديم لا يريد أن يموت وفي نفس الوقت أمام نسق سياسي واقتصادي واجتماعي جديد لا يريد أن يولد.
يمكن أن نقول أننا اليوم نعيش ما يسمى بعملية انتقال ممدد لأنه هناك صراع ونقاش حول وضع قواعد المأسسة وبالتالي فهو يتحول تدريجيا إلى انتقال (محصور) محفوظ يوحي أن السمات التي لازالت تهيمن عليه هي الليبرالية السياسية تقود إلى تطور تدريجي إلى مسلسل الدمقرطة ، ليبرالية سياسية بشكل ما يسمى "بعقد امتياز سياسي مراقب" وهذا الأخير مرتبط بإرادة السلطة وهو الوضع يمكن أن نفسره بالعودة كل مرة بالخطوط الحمراء القديمة.


خاتمة :
من خلال التجارب العالمية التي أخذت الإصلاح الدستوري كمدخل للانتقال الديمقراطي بشكل عام وتجربتي الهند وإسبانيا بشكل خاص، يمكن استخلاص ثلاث أنماط للدستور الديمقراطي. النمط الأول الذي يولي أهمية كبرى للحد من سلطة الدولة باعتراف بحقوق الإنسان والقوانين. وهذا النمط من أهم الأنماط الثلاث. وإن كان لا يرقى إلى مستوى النمطين الباقيين، فهو يتعامل مع التمثيل المجتمعي بشكل يسير ومرتكزا على صيانة الحقوق المجتمعية والاقتصادية أيما صناعة من أي تدخل لسلطة مطلقة ويأخذ بهذا النمط النموذج الأساسي.
والنمط الثاني يولي أهمية كبرى للمواطناتية للدستور، وللأفكار الأخلاقية والدينية حماية للمجتمع للتكامل والتجانس، بتبني قوانين عدة بشكل متين، وتهدف إلى إقرار المساواة بدل الإرادة الحرية أي كما يقول توكفيل الانتقال من "الإنسان التراتبي " إلى "الإنسان المساواة" أو كما لاحظ رمي لوين زوال "الإنسان التراتبي" المبني على مجتمع المجموعاتية. ويأخذ بهذا النمط النموذج الهندي.
هناك نمط ثالث وهو يشدد على الصفة التمثيلية المجتمعية للحاكمين، ويتناقض هذا النمط بين تمثيل فئات المجتمع والأوليغارشية ويمثل هذا النمط النموذج الفرنسي.
هذه الأنماط الثلاثة ليست تاريخية وإنما هي سجلات للسجال السياسي ذات أبعاد ثلاثة بعد أخلاقي وبعد مجتمعي وبعد وطني/سياسي.
تكرس هذه الأبعاد ثلاثة نماذج ديمقراطية فهناك الديمقراطية الدستورية والديمقراطية التنازعية والديمقراطية التمثيلية. فالمغرب إن كان الفاعلون السياسيون لهم الإرادة للتحول الديمقراطي فأي نموذج يا ترى من الديمقراطية يصلح المغرب؟
إنه حسب رأينا يلزم على الفاعل السياسي في المغرب الأخذ بالنماذج الثلاثة، وذلك للظروف السياسية والاجتماعية والدولية التي يعيشها. فالدفع بالجهوية الموسعة لحماية الوحدة الترابية من التشتت ولكي سيجيب للمطالب الدولية للانخراط في الاقتصاد العالمي بإقرار حقوق الإنسان والحريات وأيضا للاستجابة للمطالب السياسية بإقرار الصفة التمثيلية للأحزاب ومنح سلطات واسعة للوزير الأول المنبثق عن صناديق الاقتراع.
كل هذه العوامل وهذه المقترحات تلزم ملاءمتها مع المشروعية الملكية التي تجذر في المجتمع المغربي وفي المخيال السياسي وكذلك على أساس الهندسة الدستورية فيكون الحل هو الملكية البرلمانية.
إن دستور ديمقراطي مغربي يلزم أن يؤسس لنظام برلماني لأن التاريخ أثبت أن الحل الوحيد للتوفيق بين نظام ملكية وراثية ونظام ديمقراطي هو نظام برلمانية يسود فيها الملك ولا يحكم.

لائحة المصادر و المراجع
المراجع بالعربية:
- صمويل هاتتغتون: " الموجة الثالثة" .
- جون جاك روسو: العقد الاجتماعي.
- كيرت عزيز، الضريبة والتنمية.
- جون واتر بوري، ديمقراطية بدون ديمقراطيين.
- سيمور طوري: المجتمع الاقتصادي والديموقراطية.
- خوان لينتز: الدين والسياسة في إسبانيا.
- ألفريد فريرو " الموقف السياسي الإسباني والكنيسة الكاثوليكية" .
- ريمي لوفو: الفلاح المغربي حامي العرش
- عني مرمي، المرور إلى الديمقراطية.
- العربي الماري، مقدمة كتاب نظام الاقتراع النسبي لدكتور أحمد السوداني.
-- دفاتر سياسية العدد 60.
- وجهة نظر العدد 24.
- مصطفى قلوش " القانون الدستوري النظرية العامة" .
- أمحمد مالكي" القانون الدستور والمؤسسات السياسية" النظم السياسية المعاصرة الجزء 2.
- حوار حسنين هيكل مع خوان كارلوس، وجهة نظر عدد 23.
- وجهة نظر عدد 29
- معجم، القانون الدستوري.
- غسان سلامة، ابنهم الديموقراطيون ص26، مركز دراسات الوحدة العربية
- جان ليكا: التحرك نحو الديمقراطية في الوطن العربي ص47 مركز دراسات الوحدة العربية
- ألان تورين: ما هي الديمقراطية
- دنيال دال: الديمقراطية ونفاذها
- محمد المدني ، محاضرة بكلية الحقوق أكدال.
- محمد طريق، النسق السياسي المغربي ".
- مختارات ماركس وانجلز.
- ماركس فيبر، البروتستانية والليبرالية.





المراجع بالفرنسية:

- WEIMA, " Empiricol democratic theory".
- Gabriel Almond, " Laisis, choices and change.
- Seyumoun Martin " political mom " .
-Alex Lnkales Larry Diamond, "personal development and national development.
-Nancy Bemeo, redemocratisation and transition elections: a comparaison of spain and Portugal .
-Kennetch Medhurst " spains evolutionary pathway from dictatorship to democracy ".
-Sammuel Huntington: political articipation in devloping.
-Austin .GA the india constitution: cornestone of a nation 1987.
- G.Peces.Barba
- carl joachim friendrich: constitutional government and democraty.
-www.pagar.com


الفهرس
مقدمة...................................................................... 1
الفصل الأول: عوامل الإصلاح الدستوري................................... 4
المبحث الأول: النسق.................................................. 5
المطلب الأول: تدهور الشرعية................................ 6
المطلب الثاني: النمو الاقتصادي والأزمة الاقتصادية........... 8
المطلب الثالث: التغييرات الدينية.............................. 11
المطلب الرابع:العلاقات الخارجية............................. 12
الفرع الأول:العلاقة مع الاتحاد الأوروبي..................... 12
الفرع الثاني. الولايات المتحدة............................... 13
المطلب الخامس: كراث الثلج................................. 14
المبحث الثاني: النسق والحالة المغربية................................ 14
المطلب الأول:ول نظام العائلة.................................... 15
المطلب الثاني:الملكية العقارية................................. 15
المطلب الثالث: الدولة......................................... 17
المبحث الثالث: الفاعلون.............................................. 18
المطلب الأول: الفاعلون الرئيسيون........................... 18
المطلب الثاني: الفاعلون الثانويون............................ 20
المبحث الرابع: الفاعل في المغرب..................................... 23
الفصل الثاني: المراجعة الدستورية......................................... 25
المبحث الأول: السلطة التأسيسية...................................... 26
المطلب الأول: السلطة التأسيسية الأصلية...................... 26
المطلب الثاني: السلطة التأسيسية الفرعية...................... 28
المبحث الثاني: المبادئ التي يقوم عليها الدستور........................ 30
الفصل الثالث: المدخل الدستوري للانتقال الديمقراطي........................ 35
المبحث الأول: الإصلاح الدستوري كمدخل للانتقال الديمقراطي........ 36
المبحث الثاني: الديمقراطية والتنمية.................................... 37
الفصل الرابع: المغرب والانتقال الديمقراطي................................ 40
المبحث الأول : آليات دستور ديمقراطي.............................. 41
المطلب الأول : ماهية دستور ديمقراطي....................... 42
المبحث الثاني : مؤشرات الانتقال الديمقراطي في المغرب............ 45
المطلب الأول : الربط بين نظريات و تراكمات الانتقال الديمقراطي. 45
المطلب الثاني : مؤشرات الانتقال الديمقراطي.................... 46
خاتمة..................................................................... . 52 لائحة المراجع....................................................... 54
فهرس..................................................................... 56

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مقارنة شكلية بين دستوري 2011 و1996

نظام الحكم في المغرب

قراءة في كتاب دستور 2011 بين السلطوية والديمقراطية، لحسن طارق وعبد العالي حامي الدين