تعويضات أعضاء المجلس الوطني للصحافة ومبدأ الاستقلال المالي
أثير مؤخرا نقاش يتعلق بالتعويضات التي سيتلقاها أعضاء
المجلس الوطني للصحافة، بعد صدور المرسوم المنظم للنظام الداخلي للمجلس، وحيث سجل
عدد من الصحفيين والمهنيين استياؤهم الكبير منها، بوصفها "ضخمة"
أو "غير مستحقة" لمجلس من بداياته عرف مشاكل تتعلق بالاعداد لانتخاب
أعضاءه وأيضا لحظة الانتخابات مرورا بالتنافي بين الفعل النقابي والمؤسساتي
والتداخل بينهما وصولا إلى "البطالة" التي عاشها طيلة سنة ونصف بدون
ممارسته مهامه باستثناء منح "البطائق".
في مقابل ذلك هناك من قارن بين التعويضات التي سيتلقاها
أعضاء المجلس الوطني للصحافة مع بعض المؤسسات الدستورية الاخرى وسجل كونها تمشي في
نفس المقدار والنسب، بل أقل مما هو معمول به في مؤسسات اخرى.
نقاش دفع إلى نشر المراسيم والقرارات التي تنظم عملية
التعويضات، حيث تبين أن كل المؤسسات الدستورية تنظم بناء هذه العملية بناء على
مقرر تنظيمي في شكل مرسوم باستثناء المجلس الوطني لحقوق الانسان الذي ينظم هذه
العملية بناء على قرار داخلي غير منشور في الجريدة الرسمية وغير معمم.
مما يطرح سؤال، هل يتوفر المجلس الوطني للصحافة على استقلالية مالية؟ وما علاقة الاستقلال المالي
بالاستقلال الوظيفي؟
أولا:
الاستقلال المالي
بداية لابد من
الاشارة، إلى كون حجم التعويضات لا علاقة لها بالاستقلال المالي، بل قد تكون هذه
التعويضات "هزيلة" أو "خيالية" أو "متناسبة" مقارنة مع حجم المهام
والادوار والوظائف، ولكن يبقى لكل واحد الحق في التعبير عن موقفه من موقعه ومن
زاوية نظره.
إلا أنه يجب عدم مقارنة التعويضات المخصصة لاعضاء مجلس
الصحافة بالتعويضات التي يتلقها أعضاء بعض المؤسسات الدستورية كالمجلس الاقتصادي
والاجتماعي والمجلس الوطني لحقوق الانسان ... لكون الفرق شاسع جدا بين بنية
ومرجعية كل مؤسسة، كما لا يمكن مقارنتها بالتعويضات التي يتلقها أعضاء بعض
المؤسسات الاستراتيجية والمقاولات العمومية كالهيئة الوطنية لضبط الكهرباء، نظرا
لكون هذه الاخيرة هي شركات عمومية ربحية، بل لا وجب مقارنة هذه التعويضات مع الهيئات
الشبيهة والقريبة، أي الهيئات الضبط المهني كهيئات المحامون، والهيئة الوطنية
للأطباء بالمغرب وهيئة المهندسين المعماريين بالمغرب، وهيئة الصيادلة ...
وكما سبق الذكر، فالاستقلال المالي لا علاقة له بحجم
تعويضات أعضاء مجلس الصحافة، بل له علاقة بمصادر الموارد.
1- الموارد الرئيسية:
تتمثل الموارد الاساسية للمجلس الوطني للصحافة من
الاشتراكات السنوية للمؤسسات الناشرة للصحف، وفق المادة 19 من القانون المنظم له
رقم 90.13.
وتدقق هذه الاشتراكات المادة 20 من نفس القانون، على
ضرورة المساهمة السنوية لكل مؤسسة ناشرة بشكل اجباري في حدود 1 في المائة من
أرباحها الصافية لفائدة المجلس، وذلك تحت طائلة العقوبات التأديبية التي تصل إلى
توصية للسلطات المعنية بوقف الدعم المالي العمومي لمدة لا تتجاوز ثلاث سنوات
(المادة 46 من نفس القانون)، بل إن المجلس يمكنه التحصيل الاجباري للمساهمة باعتبارها
دين، وفق مدونة تحصيل الديون العمومية.
وقبل ذلك وجب على المجلس أن يضع جدولا مفصلا لكل المقاولات
الصحفية الناشرة المنخرطة، ومقدار المساهمة السنوية.
وإلى حدود كتابة هذه المقالة، أي بعد أزيد من سنة ونصف
لا نتوفر على هذه المعطيات والمعلومات، لسبب بسيط أن المجلس بدأ بخرق قانونه
المنظم، وخاصة المادة 22 منه، حيث ملزم قانونا أن ينشر قبل 31 مارس من كل سنة
تقريرها المحاسباتي، الذي يضعه خبير محاسبة مقيد في جدول هيئة الخبراء المحاسبين،
وتوجه نسخة للمجلس الاعلى للحسابات.
فغياب التقرير السنوي الاجباري، الذي لم ينشر قبل 31
مارس 2020، لا يسمح لنا بمعرفة عدد المؤسسات الصحفية الناشرة المنخرطة برسم سنة
2019، ولا حجم مساهمتها، وهناك ام وضع الجدول المفصل للمساهمة أم لا؟ هل جميع
المؤسسات ساهمت أم لا؟ هل تم تحريك مساطر استخلاص الديون في حالة الامتناع عن
المساهمة أم لا؟ أو تم تحريك مسطرة العقوبات أم لا؟ هل على الأقل المؤسسات الصحفية
الناشرة السبعة العضوة في المجلس ساهمت أم لا؟
فإن لم تساهم أي مقاولة صحفية ناشرة، فسنكون أمام فضيحة،
أما إذا لم يمارس المجلس اختصاصاته أمامها فسنكون أمام فضيحة أكبر.
2- الموارد الثانوية:
تحدد المادة 19 من القانون دائما، موارد أخرى كثيرة
للمجلس، منها إعانات الدولة، وحسب تتبع التصريحات رئاسته، فإن هذا الموارد هي الأساسي
إن لم نقل هو الوحيد، وهنا يطرح سؤال الاستقلالية عن الحكومة.
بالعودة إلى قانون المالية لرسم سنة 2020، نجد أن الدولة
برمجة إعانة للمجلس الوطني للصحافة في المرتبة الثالثة بعد الاعانات المخصصة
للجمعيات المقدمة من قبل وزارة الثقافة والشباب والرياضة، إذ خصصت لكل من الجمعيات
العاملة في قطاع الاتصال والجمعيات المهنية العاملة في قطاع السينما والانتاج
السمعي البصري ما مجموعه 12.500.000 درهم والمجلس الوطني للصحافة 26.000.000 درهم.
مما يدل على عدم سلامة المقارنة بين هيئة تتحصل على
إعانة من قبل قطاع حكومي مثلها مثل باقي الجمعيات، مع مؤسسات دستورية تحدد
ميزانيتها ضمن الميزانية العامة للدولة وصادرة عن البرلمان.
كما أن تحصيل إعانة من قطاع الحكومي، يسائل استقرار هذا
الدعم بشكل سنوي، لكون استقراره أو النقصان منه أو الزيادة فيه سبقى دائما
"رهين" التوافقات والترضيات والمفاوضات بين المجلس والحكومة.
ثانيا:
الاستقلال الوظيفي
الاستقلال الوظيفي يرتبط بالاستقلال عن السياق العام من
خلال ممارسة المجلس لصلاحياته القانونية، وأيضا بخصوص التدابير.
1- ممارسة الصلاحيات القانونية في سياقها
العام
يتوفر المجلس على صلاحيات كثيرة ومهمة من أجل تنظيم وضبط
المهنيين والمهنة، وتتلخص أساسا في إصدار تقرير سنوي عن ذلك، يضم ثلاث محاور،
أولا، مؤشرات احترام الممارسة الصحافية، ثانيا، انتهاكات هذه الحرية وخروقاتها،
وأخيرا، أوضاع الصحفيين والصحافة، إلا أن المجلس إلى غاية اليوم لم يقم نشر تقريره
برسم سنة 2019.
كما أن المجلس يضع تقارير موضوعاتية ودراسات تهم قطاع
الصحافة، وتبقى نفس الملاحظة، أنه لم يصدر أي تقرير بخصوص ذلك طيلة أزيد من سنة
ونصف.
2- ممارسة الصلاحيات القانونية
الاجرائية:
مشاطرة للاستاذ محمد
الطوزي في حواره مع جريدة أخبار اليوم المنشور مؤخرا بتاريخ فاتح يونيو 2020،
عندما تساءل ضاحكا، هل نحن راضون على المجلس الوطني للصحافة؟ طبعا لا، ولكن وجوده
في حد ذاته يعتبر مكسبا. فهل الجميع راضي على الميثاق الوطني لأخلاقيات المهنة،
لكون إعداده تم بمقاربة غير تشاركية وضمونه زجري وليس تنظيم؟ طبعا لا، ولكن وجوده
في حد ذاته يعتبر مكسبا، ومع ذلك فإنه بقي معلقا، ما دفع المجلس الوطني لحقوق
الانسان في تقريره السنوي أن يقدم ملاحظته في الفقرة 81 بكون عدم وجود النظام
الداخلي لمجلس الصحافة يجعل ميثاق الاخلاقيات معطلا.
وهي الحالة التي عشناها طيلة سنة، حيث عرفت مساسا خطيرا
بالحياة الخاصة للافراد واهانة المرأة والتشهير، كان عنوانها البارز قضية الصحفية
هاجر الريسوني.
صدور النظام الداخلي للمجلس في 25 ماري 2020 يعتبر
مكسبا، إلا أن الملاحظ أنه لم يأتي بأشياء كثيرة جديدة غير موجودة في القانون رقم
90.13، مما يطرح اشكال مصير الشكايات الستين 60 المتوصل بها ، والتي تحدث عنها
رئيس المجلس، لكون القاعدة الدستورية، لا يطبق القانون بأثر رجعي، في مقابل هل
أصحاب الشكايات التي قدمت سابقا ولم تتجاوز مدة الانتهاك فيها ستة أشهر يجب أن
يعيدوا وضع شكايتهم؟ لكون المجلس لا يبث
في الوقائع بعد انصرام أجل ستة أشهر من تاريخ ارتكابها وفق المادة 38 من
القانون، أما أصحاب الشكايات التي تجاوز
تاريخ وقوعها ستة أشهر فإنها أصبحت في حكم العدم.
من المهام الاجرائية للمجلس ايضا، الوساطة بين المهنيين
وبين هؤلاء والاغيار، والتحكيم في النزاعات بين المهنيين، فإن حصيلتها تبقى
"صفر".
وأخيرا، فيلاحظ ضعف التواصل الافتراضي للمجلس مع
الجمهور، نظرا لموقعه الاليكتروني الذي تم تمرير صفقته دون احترام شروط الصفقات
العمومية، ضعيف جدا، يتكون من أربع صفحات "ويب" فقط، والبريد
الاليكتروني الموضوع رهن اشارة الجمهور غير موجود وخارج الخدمة الاليكترونية منذ
سنة إلى غاية كتابة هذا المقال.
ختاما:
إن القول بكون تعويضات أعضاء المجلس مبالغ فيها أو
متناسب أو قليلة يجب أن ينطلق من العناصر السالفة الذكر:
المقارنة مع هيئات تنظيم المهن وليس مع المؤسسات
الدستورية والمقاولات العمومية والمؤسسات الاستراتيجية؛
مساهمات المنخرطين من المؤسسات الصحفية الناشرة في
المجلس باعبتاره مؤشر استقلالية المجلس وليس من إعانات القطاع الحكومي لكونها
مكملة للموارد، ولكونها مستخلصة من دافعي الضرائب.
المهام والصلاحيات الممارسة وليست التي هي حبر على ورق؛
وأخيرا، استقلالية المجلس عن باقي الهيئات السياسية
والنقابية، حيث لا يمكن إسقاط بعض الانشطة النقابية مع أنشطة المجلس، وهو ما سيكون
موضوع مقال آخر حول التداخل بين النقابي والمؤسساتي في تنظيم الصحفيين ومهنة
الصحافة.
تعليقات