انعطافة جديدة في قضية الصحراء
قدم المغرب سنة 2007 أمام أنظار الأمم المتحدة بشكل
رسمي، مقترحه من أجل تسوية الصراع حول الصحراء، ويتعلق الامر بمقترح "الحكم
الذاتي الموسع"، في مقابل ذلك وعوض التفاعل الإيجابي مع هذا المقترح، اعتمدت "جبهة
البوليزاريو"، مدعومة من الجزائر،
استراتيجية هجومية مبنية على أربع محاور: حقوقية، اقتصادية، قضائية، وسياسية.
المحور الحقوقي: قامت "جبهة البوليزاريو"، من
خلال بعض "اللوبيات" الأمريكية والمؤسسات الفكرية بربط التجاوزات
والاختلالات في تدبير الملف الحقوقي بمنطقة الصحراء، بوجود قصور على مستوى ولاية
المينورسو التي لا تشمل اختصاصاتها مراقبة الوضع الحقوقي.
اشتغال البوليزاريو على هذا المحور، جعل مجموعة من
المنظمات غير الحكومية الدولية تطالب مجلس الأمن بإضافة اختصاص مراقبة حقوق
الانسان الى صلاحيات المينورسو، وهو الشيء الذي تجسد سنة 2014 من خلال مسودة مقترح
أمريكي طالب بإضافة هذا الاختصاص لصلاحيات البعثة الأممية إلى الصحراء، لكن التحرك
القوي للدولة المغربية من خلال شبكة علاقاتها، ولاسيما منها دول الخليج، أدى إلى
سحب هذا المقترح، لكن تقرير الأمين العام الأممي حول الوضع في الأقاليم الجنوبية،
صار يتضمن تفاصل وتوصيات حول الوضع الحقوقي.
المحور الاقتصادي: تمثلت معركة "جبهة البوليزاريو"
على هذا المستوى في اشتغالها بشكل مكثف على مسألة الحفاظ على الثروة الطبيعية
لسكان الصحراء، وذلك باعتمادها على مجموعة من رسائل الاحتجاج التي بعثت بها قيادة "الجبهة"
إلى الشركات العابرة للحدود وإلى الدول الحاضنة لتلك الشركات من أجل وقف التعامل الاقتصادي
والتجاري مع المغرب فوق تراب الصحراء، اضافة إلى الرسائل الموجهة الأمم المتحدة في
الموضوع، والتي تكرر صداها في تقرير المين العام الأممي حول الصحراء من خلال تطرقه
لمسألة الثروات في الصحراء ومدى استفادة السكان منها.
وفي هذا السياق جاءت الدعوى القضائية التي رفعتها "الجبهة"
ضد المغرب أمام محكمة العدل الأوربية سنة 2012، على أساسه مبدأ تقرير المصير فيما
يتعلق بالثروات الطبيعية الفلاحية والبحرية
بالأساس، ما أدى إلى صدور حكم ابتدائي بإلغاء الاتفاق الزراعي بين الاتحاد
الأوروبي والمغرب، فكانت ردة فعل الرباط أن قطعت الاتصال مع الاتحاد الاوربي.
المحور القضائي: اشتغلت "جبهة البوليزاريو"
على هذا المستوى أيضا بشكل مكثف حيث يمكننا تعداد مجموعة من الدعوات القضائية التي
رفعتها في مناسبات متعددة، خلال السنوات الاخيرة، وهذه دعوات قضائية اقليمية كالتي
رفعت أمام محكمة العدل الأوروبية ضد المغرب والاتحاد الأوروبي، أو وطنية كالتي
رفعتها في كل من إسبانيا وفرنسا وبريطانيا...
هذه الدعوات القضائية ليست غاية في حد ذاتها وإنما وسيلة
هدفها الأساسي خلق "سوابق قضائية" أو "تراكم" في الأحكام
قضائية، في استغلال واضح للقضاء الدولي المتخصص في هذه القضايا، وهو ما سيجعل
المغرب في مواجهة نشوء قاعدة او عدة قواعد قضائية جديدة في هذا المجال، تزيد الوضع
تعقيدا.
المحور السياسي: ويتمثل اشتغال "جبهة البوليزاريو"
على هذا المحور من خلال شعار رفعه مؤتمرها الأخير، والذي دعا بل قرر إعمار المنطقة
العازلة (20% من مساحة الصحراء)، حيث تعتبرها "الجبهة" منطقة "محررة"
تقوم فيها ، من خلال قسمها بمجموعة من "الأنشطة التنموية" والعسكرية، بل
إنها أعلنت منذ زمن منطقة "بير لحلو" عاصمة لها.
إن إعمار هذه المنطقة سيسمح ل"جبهة البوليزاريو"
بالتوجه مباشرة إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في المستقبل غير البعيد من أجل
مطالبتها بحقها بالعضوية، وهو المطلب تجسد فعلا في الرسالة الأخيرة لزعيم "الجمهورية
الوهمية"، والتي وجهها إلى دول العالم بتاريخ 26 فبراير 2016.
من خلال ما سبق فغاية "جبهة البوليزاريو"
مدعومة بالجزائر، من هذه الاستراتيجية، هي
تحقيق هدفين أساسيين: أولهما محاصرة وعزل المغرب إقليميا، في فضائه الأفريقي (الاتحاد
الافريقي) والأوروبي (الاتحاد الاوربي) والدولي، وثانيهما هو تقديم "جبهة
البوليزاريو" كممثل وحيد وأوحد "للشعب الصحراوي".
وعليه فإن المغرب مطالب اليوم بتعزيز دوره على المستوى
الدولي والاقليمي والوطني على عدة مستويات، أولها:
- استثمار
المنتخبين الجماعيين والبرلمانيين الممثلين لساكنة الأقاليم الجنوبية في
الديبلوماسية المغربية وفي المفاوضات، حتى يدحضوا عمليا فكرة "التمثيلية
الوحيدة" التي تدعيها بوليساريو.
- التعزيز
الواضح لأوراش الدمقرطة وتقوية مسار حقوق الإنسان دون تهاون وبمعزل عن المد والجزر
الذي تعرفه قضية الصحراء.
- تقوية
الديبلوماسية المغربية الموازية من خلال الجمعيات الجادة، والبرلمان والأحزاب
السياسية ذات المصداقية.
تعليقات