المغرب... دولة في كف عفريت
المغرب...
دولة في كف عفريت
يبدو المنظر السياسي بالمغرب من خلال نظرة عامة، على
أنه مسرحية مرتجلة يلعب أدوارها ممثلون من الدرجة الثانية:
● حكومة ورئاستها تشتكي من وجود
فاعلين آخرين في أجهزة الدولة تكبح وتعرقل عملها، رغم أن الدستور الجديد أعطاها
الكثير من الصلاحيات لتنفيذ سياساتها العمومية؛
● برلمان برأسين، أحدهما في وضعية
صعبة وغير قادر على ممارسة صلاحياته التشريعية والرقابية، والآخر شاذ في وضعيته
ولم يتم تجديده، ويشتكي من تعسفات الحكومة عليه؛
●
أغلبية مشتتة تحمل لبعضها البعض السم في العسل،
ومنسجمة في شيء واحد هو البقاء غير منسجمة؛
● معارضة متباكية تشتكي من عدم
صدور القوانين المنظمة لصلاحياتها، وتقتات بما تجود وتمن عليها به الحكومة من امتيازات، هي في الأصل حق دستوري؛
●
أحزاب سياسية تكرس يوما بعد يوم على عدم استقلالية
قرارها السياسي، وتنخرط في بهلوانيات الكلمات والمصطلحات، باستخدام معجم لغوي ل
"حي بن يقظان"، وليس بواقعية وبرغماتية "الأمير" لميكيافللي؛
واقع تعجز كل الأدبيات في العلوم االسياسية وحقل
العلوم الاجتماعية وحتى الانتربولوجيا عن فك طلاسيمه وخيوط اللعبة بداخله، وتطرح
اشكاليات عميقة حول مفهوم الدولة في المغرب: من يحكم، ومن يتخذ القرار، وكيف
يُنفذ، وعلى أي مستوى تتحقق المصلحة العامة؟.
أمر طبيعي في ظل دولة تعرف مرحلة تحول، على مستوى
بنيتها الاجتماعية وهياكلها السياسية، وتعرف مخاض ولادة من جديدة، أن هاجسها في
الاستمرارية يقتضي بالضرورة تغيير ميكانيزمات سلطتها بشكل سلس وببطئ حتى لا يجر
السكين البطن أو تقطع الشرايين.
إذا سلمنا بهذه الفرضية، فإن أولى الخلاصات التي يمكن
الخروج منها هي أن التحول يتم بمعزل عن المؤسسات وعن الدولة الظاهرة في حد ذاتها،
وذلك بتعطيل أجهزتها الانتخابية وغير الانتخابية، وأن العملية تتم من طرف فاعلين من خارج المشهد السياسي الحالي، على
الأقل.
كل هذا يطرح
أسئلة رئيسية من قبيل: من هم الفاعلون الحقيقيون؟ ماذا يريدون؟ وكيف يتم التحول
والتحكم في نخب الدولة ومؤسساتها؟ ومن هم حلفاؤهم؟ وكيف يتم التنسيق؟ وماهي الأداة
السياسية؟ وما هي مواقعهم؟ وما هو حجمهم؟... أسئلة كثيرة لازالت راهنيا معلقة
وتصعب الإجابة عنها في واقع سياسي متسم باللون الرمادي.
إلا أن هناك بعض النقط تبحث عن حروفها:
● إصدار المجلس العلمي الأعلى
للرأي الذي أثار الكثير من النقاش بخصوص قتل المرتد. ...في نفس الأسبوع يحضر الملك خطبة جمعة بمدينة آسفي يؤكد فيها
"الخطيب" على حرية المعتقد،... فكون الملك، حسب الفصل 41 من الدستور، هو
رئيس المجلس العلمي الأعلى باعتباره أميرا
للمؤمنين، يطرح إشكالية كبرى كيفية انفلات
مثل هذين الرأيين المتناقضين؟
● تصريح مجموعة من أعضاء لجنة
صياغة الدستور بكون المسودة التي تمت صياغتها، تختلف عن مشروع الدستور الذي ُقدم
"للشعب" من أجل الاستفتاء... بالاضافة إلى أن بعض الفاعلين الحزبيين
الذين واكبوا اجتماعات "الآلية
السياسية،" التي ترأسها المستشار
الملكي محمد معتصم، أكدوا أنهم لم يدخلوا أي تعديل على الوثيقة التي قدمت إليهم
ويتعلق الأمر بمنتوج عمل لجنة "المانوني"... كل هذا قد يعني أن يدا خفية
تدخلت إما في مرحلة ما بين تقديم المسودة من لجنة المانوني إلى لجنة المعتصم، أو
تدخلت في مرحلة تقديم المسودة من لجنة المانوني إلى الاستفتاء، أو هما معا، وهنا
يطرح السؤال :من هو الفاعل الذي لم يستطع أن يقدم رأيه أوتصوره للدستور في جميع
أطوار الصياغة بشكل علني أو من خلال مذكرة؟ أي من هو الفاعل الوحيد الذي كان غائبا
في تشكيلة لجنة المانوني ولم يكن ممثلا في لجنة المعتصم؟.
●
صدور القانون المتعلق بالحصانة العسكرية الذي تقدمت به
حكومة بن كيران والذي تم التصويت عليه بعد إدخال تعديل طفيف في مادته السابعة بعد
ظغط الحركة الحقوقية. في حين أن الحكومة كانت لها أولويات عديدة في المجال
التشريعي مثل القانون التنظيمي المنظم لعملها، أو القوانين الانتخابية أو القوانين
المكملة للبناء الدستوري. فهل هذا القانون أطعم فقيرا أو أسكن معوزا أو استكمل آخر
توصيات هيئة الانصاف والمصالحة بعدم الافلات من العقاب وربط المسؤولية بالمحاسبة؟.
في المغرب السياسة مثل لعبة الشطرنج، الأحجار لا تتحرك
من تلقاء ذاتها، بل هناك دائما أياد تحركها، وتبقى في حالة "ستاتي كو"
إلى أن تأتي رياح مثل رياح "الربيع العربي"، أو القادمة في المستقبل من
الربيع الجزائري.
تعليقات