وهم "الحركة الشبابية"
وهم "الحركة الشبابية"
منذ بداية التسعينات ظهرت طفرات متعددة خاصة بالمجال المدني والجمعوي، حيث برزت على الساحة الاجتماعية حركات مدنية متنوعة ولكنها منسجمة في قضية حقوق الإنسان والمواطنة والعدالة لاجتماعية، فعرف المغرب حركة "نسائية" وحركة "أمازيغية" وحركة "حقوقية" وغيرها، كتعبير عن مطالب اجتماعية أو فئوية أو مدنية.
ومع منتصف العشرية الأولى من القرن الحالي، صدرت مجموعة من التقارير الدولية، وعلى رأسها تقرير البنك العالمي حول التنمية والجيل الجديد سنة 2007، وقبلها بقليل إعلان "لشبونة" بشأن السياسات والبرامج المعنية بالشباب في غشت 98، وخطة عمل "براغا" للشباب المعتمدة في منظومة الأمم المتحدة العالمي الثالث للشباب من نفس السنة، و إعلان "دكار" سنة 2001 الصادر عن المنتدى العالمي الرابع حول الشباب، و تقرير الشباب في العالم لعام 2005، الصادر عن الأمين العام للأمم المتحدة، وأهداف التنمية الألفية في العالم العربي 2007: وجهة نظر الشباب... وغيرها من التقارير التي حاولت أن تقدم وصفة سحرية لحل مشاكل الأجيال القادمة من الشباب.
على المستوى الداخلي، وارتباطا بالخارج، ظهرت حركات مدنية تحاول الإجابة على توصيات وملاحظات المؤسسات والمؤتمرات العالمية، من باب الفعل الجمعوي، وفي مقابل ذلك ظهرت نوع الانتهازية الباحثة عن التمويلات الخارجية بل وصلت درجة احتراف اقتناص طلبات العروض التي تعلنها المؤسسات المانحة، بدون أي دفتر للتحملات.
في أعقاب ذلك، خرجت دينامية احتجاجية واجتماعية شبابية سقفها يتجاوز الحدود التي سطرتها الجمعيات العاملة في ميدان الشباب، وكذبة الأطروحة الكاريكاتورية المرسومة عن الشباب المغربي، المختزلة فقط العزوف عن السياسية وعدم الاكتراث بالشأن العام، بل عرت عن الحجم الحقيقي للناطقين أو الممثلين المدنيين والسياسيين للشباب، من هيئات مدنية وشبيبات حزبية، هذه الدينامية الشبابية الجديدة دخلت لتاريخ السياسي المغربي الراهن باسم 20 فبراير.
داخل السياق الجديد برزت انتهازية جديدة تحاول الركوب على الدينامية الشبابية التي تفاعلت مع المحيط الإقليمي والدولي، سواء من خلال التقرب للسلطة أو صانعي القرار أو من خلال البحث عن تمويلات جديدة، تحاول بعض المؤسسات المانحة استقراء الوضع الحقيقي للشباب.
بخصوص الصنف الأول، صنف كل شاب يطالب بالديمقراطية والكرامة والحرية في خانة الخيانة والعمالة للخارج، وقدم نفسه أنه هو النموذج "سطوندار" للشاب المغربي المتعلق بأهداب "العرش".
ومنهم من وصل إلى مراكز صناعة القرار باسم الشباب سواء من خلال "اللائحة الوطنية للشباب" لمجلس النواب أو من خلال التملق الحزبي، ومنهم من خدمة أجندة حزبية ضيقة للمزايدة على الدولة والتفاوض باسم الحراك الشبابي في الشارع.
أما الصنف الثاني، والذي قدم نفسه كزبون لبعض المؤسسات المانحة بدون أي احتياطات موضوعية أو ذاتية، وأصبح يقدم مبادرات متفرقة هنا وهناك باسم الشباب ولكن في العمق كانت مشاريع وبرامج الممولين الباحثين عن الوصول إلى الواقع المغربي من خلال بعض الجمعيات، هذه الأخيرةاشتغلت في الميدان الشبابي وفق أجندة الآخر وليس في أجندته، وفي إستراتيجية الأخر.
هذه العوامل تسمح بالقول أن "حركة شبابية" في المغرب هي مجرد وهم، والوصول الى ذلك يقتضي الكثير من الاشتغال تنطلق من ستة أسس:
أولا: تأسيس إستراتيجية شبابية صرفة، والقطع مع خدمة بل والتماهي مع إستراتيجية الأخر، مهما كان سواء دولي أو وطني، سياسي أو نقابي أو رسمي؛
ثانيا: الاستقلالية في اتخاذ القرار الشبابي، وربطه بالمشروع المجتمعي الديمقراطي وليس بفئة اجتماعية داخل المجتمع؛
ثالثا: التمكين الذاتي، من أجل مواكبة وتتبع وتقييم السياسات العمومية، وليس ممارسة نوع من "البروباغاندا" لتقارير معدة في مطابخ لا علاقة للشباب بها، والاقتصار على البهرجة الإعلامية المصاحبة.
رابعا: أن يفكر الشباب للشباب وليس الشيوخ للشباب، وأن ينتقل الفعل والممارسة والتنظير والتحليل وخلق تراكم معرفي من داخل حقل الشباب، عوض جعل الشيوخ يفكرون ويحللون ما يقوم به الشباب ويرسمون لهم طموحاتهم ومستقبلهم
خامسا: المساهمة في التفكير الجماعي حول المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي، كآلية حكامة جديدة وليست كمقاعد أو"ريع" العمل الجمعوي.
سادسا: قبول التمويلات في إطار رؤية واضحة وليس رؤية فقط التمويلات، بالبحث عن ملئ الجيوب، واحترافية السطو على الممولين، بل يجب قبول الدعم بأهداف دقيقة وبرامج حقيقية وناجعة وليست ورقية؛
على سبيل الختم:
الحركة النسائية كانت ذكية في تعاطيها مع القضايا التي تشتغل عليها، باعتبار أن قضية المرأة قضية مجتمع، والاستفادة من تجربتها مهمة في أفق بناء "حركة شبابية" مغربية ناجعة وليس بناء "حركة "انتهازيو" الشباب".
تعليقات