PAM لو كان الاشتراكي الموحد لما كان
PSU لوكان
PAM لماكان
إن النظام السياسي فاعل عقلاني، له إستراتيجيته وتكتيكاته للوصول إلى هدف معين، مستعينا برجالاته وتصوراتهم لاستمرار واستقرار النظام بأقل تكلفة، وليس أرعنا سياسيا أو فاعل يقوم على أساس السياسة اليومية والفعل والفعل المضاد، مما يؤكد أن دخول الأصالة و المعاصر بقيادة مهندسه عالي الهمة على الخط السياسي ببلادنا لم يكن بدون أجندة سياسية أو بشكل اعتباطي بقدر ما هو مدروس و مخطط له بدقة.
وللإشارة، فان الحديث عن النظام السياسي لا يمكن اختزاله في المؤسسة الملكية وحدها بل هي تشكل فاعل رئيسي في النسق السياسي بالإضافة لفاعلين ثانويين يلعبون ادوار شرعنة وإعادة شرعنة النظام السياسي برمته، كما أن المؤسسة لا تنحصر في شخص الملك بل هي مجموعة من الصلاحيات في الهندسة الدستورية و التمثلات والتصورات السياسية والرجال المحيطين بالبلاط الملكي وشبكة من الأشخاص المتواجدون في مؤسسات تابعة للقصر.
فالهمة هو رقم ضمن هده المعادلة المعقدة، وما أنشطته إلا جزء من الأجندة السياسية لهذه المؤسسة.
فمنذ حدث "الاستخلاف" ظهر جليا تموقع فئة من رفاق محمد السادس في الدراسة في صناعة السياسات العمومية من وراش و قرارات سياسية حاسمة، متعلقة بمجال تصفية مخلفات الماضي من انتهاكات جسيمة في حق فصائل سياسية كانت في صراع مع المؤسسة الملكية ، وصالحة المجتمع مع الدولة، وقضية المرأة، اللغة والهوية والثقافة الامازيغية، الإرهاب، والبنيات التحتية والهامش المسيج لحرية الصحافة...وظهر أساسا الدور الذي لعبه الهمة في تأسيس هذه الاوراش المحدثة "للعهد الجديد".
عهد جديد اعتمد على أسماء وازنة كانت تنتمي لليسار الجديد من ادريس بنزكري، اليزمي، ابوذرار،... والقائمة طويلة، أسماء تنتمي إلى نوع من النقاء والصفاء الماركسي بعيدا عن التملق للمناصب والهرولة نحو قطارات الملك للتحية.
هذا الجزء من اليسار انفصل عن التيارات الشرعي المتواجد في الشارع السياسي، و القول في بناء الإصلاح انطلاقا من المجتمع المدني ، و المؤسسات الوطنية، بعيدا عن القطاعات الحكومية المرهونة بحسابات سياسية،حيل، ومكائد و التي سقط ضحيتها اليسار التقليدي، مفضلين الاشتغال في الظل وليس تحت أضواء الكاميرات.
وجدت الدولة في هذه الفئة إرادة الإصلاح والتغيير و التحلي بالواقعية السياسية عوض المثالية وحلم الثورة و التغيير الجذري ...فعمل على استثمار هذه الطاقة و الإرادة لخدمة مصالحه واستمرار يته.
فمن الناحية التاريخية فان هذه المجموعة تنتمي إلى حزب الاشتراكي الموحد باعتباره تلاقي بين مكونات اليسار الجديد و الوفاء للديمقراطية، الحزب الذي عقد مؤتمره الاندماجي في شتنبر 2005 رافعا راية الإصلاحات السياسية ة الدستورية كمدخل للانتقال الديمقراطي، وكمفاتيح كل الاوراش الاقتصادية والاجتماعية، يرفض في المشاركة قبل التأسيس لهذه المشاركة بضمانات دستورية تسمح بالتداول على السلطة ،والتناوب المتحكم فيه صناديق الاقتراع ، و الفصل بن الحكومة الشرعية و المؤسسة الملكية إلا في حالات الاستثناء، وإصلاحات سياسية تضمن نزاهة الانتخابات و انفتاح اللعبة السياسية على كافة الفاعلين السياسيين بمن فيهم التيار الأصولي للعدل و الإحسان.
تواجد الحزب في المعارضة بالإضافة إلى ميزتين أساسيتين تكمن في الأطر المنتمية إليه كما وكيفا فمن الناحية الكمية تنتمي للحزب كثلة من المناضلين المقتنعين بأفكار و قيم الحزب و متشبثة بنضالاته وغير قابلة للمراهنة أو الانتهازية أو الوصولية و من الناحية النوعية فأن أعضاءه جلهم من الطبقة المتوسطة واطر وكوادر في الأجهزة الإدارية للدولة. كما أنها تشكل نوع من النخبة المثقفة العضوية وليس مثقفي السخرة و "كلاب حراسة" على حد تعبير ألتوسير.
ويبقى أهم رأسمال الحزب هو تاريخه النقي و الذي لم يتسخ بالحقائب الوزارية. بل حول نضالاته من الفعل السياسي إلى الفعل المجتمعي في قضايا المرأة، حقوق الإنسان، التنسيقيات،... بعد ضيق المتنفس السياسي.
لتبقى المحطة المفصلية في هذا المقالة اللقاء الذي جرى بين فؤاد عالي الهمة الذي كان آنئذ وزير منتدب لدى وزير الداخلية، والرقم الثاني في النظام السياسي المغربي، بكل من محمد الساسي ومحمد حفيظ،في لقاء اعتبره الأول غير رسمي في حين اعتبرته أجهزة حزب الطرف الثاني رسمي لما يحمله الأول من رمزية النظام وعلاقته بمحمد السادس.
كانت لغة اللقاء لغة مفخخة و لم يستطع احد لن يفك شفراتها، قال عنها الأساسي أن الدولة تحمل مشروع و له أجوبة على كل الأسئلة و بالتالي الاختلاف بينه و بين هدا المشروع هو تلك الأجوبة، و التي تتوزع إلى قضايا اقتصادية و اجتماعية وسياسية و حتى دستورية.
لقاء كان يحمل بين طياته دعوة الاشتراكي الموحد لإعادة قراءة منطلقاته وإيجاد نقط تقاطع مع الاوراش المزمع فتحها، وذلك لتعبيد الطريق للدخول و للمساهمة في تسيير الشأن العام.
انتهى اللقاء دون إمكانية التواصل أو التوصل إلى حد ادني من القواسم المشتركة.
وهكذا شهدنا خروج الهمة من بوابة الداخلية والدخول للمعترك السياسي بالترشح أولا في دائرة الرحامنة ، والإعلان عن تأسيس حركة لكل الديمقراطيين و التي تضم في أغلبية عضويتها يساريين تقدميين، كصلاح الوديع، الياس العمري، اخشيشن... انتهاء بتشكيل حزب سياسي أطلق عليه تسمية غريبة تجمع ما بين الأصالة والعاصرة. فكان أن انعكس ذلك على الاشتراكي الموحد سلبا إذ عرف نزيفا في مناضليه أو من الطوق من المتعاطفين معه.
فادا كانت الدولة لم تستطع أن تروض الاشتراكي الموحد ووضعه على سكتها فإنها استطاعت أن تطوقه في الانتخابات من خلال القوانين والإجراءات الانتخابية التي لم تشفع للحزب بالتقدم بل بالتراجع في المؤسسات المنتخبة، تراجع نحو الاندثار من المشهد السياسي وانتهاء أمد حياته، أن لم يستطع تطوير ذاته أو البحث عن ميكانيزمات جديدة قادرة علة إعادة خلقه كحدث فاعل في الحقل السياسي و ليس كمعطى حزبي ضمن تشكيلة حزبية تتعدى الثلاثين.
فهل اخطأ الحزب الاشتراكي الموحد في عدم قراءته للتحولات الجديدة للحقل السياسي المغربي، و التحصن بأفكاره ومبادئه وقيمه في مقابل التضحية بتنظيمه؟.
أم انه خطأ اليساريين التقدميين الذين قبلوا بالاشتغال مع الدولة والذين فتحوا أوراش كبرى و حققوا مكتسبات لكن دون استكمالها وبقيت معلقة غير مكتملة؟ حيث انصبت الإصلاحات على الاوراش الاقتصادية و الاجتماعية دون المساس بنبض النظام المتمثل في الإصلاحات الدستورية والسياسية، فتحولوا من مناضلين سياسيين إلى تكنوقراطيين لتدبير ملفات محددة تنتهي صلاحيتهم بانتهاء الملف؟.
أم طأ الدولة بإنشاء حزب الدولة من قطع غيار أحزاب بالية لم تكن تشكل وزن في الخريطة السياسية لا من الناحية الفكرية أو التنظيمية، ودخوله للعبة السياسية بشعارات جديدة وحداثية ولكن بأساليب تقليدية و قديمة ، مستعينا بتجارب الماضي والأحزاب الإدارية، بالالتفاف على الأعيان، ورمزية الهمة ، وبالتالي تشكل تراجع من السياسية إلى ما قبل تشكيل جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية، مما أدى إلى تشتيت الخريطة السياسية و إلى ظهور تحالفات شاذة وهجينة مبنية على مصالح ظرفية وليس على برامج أو أفكار أو منطلقات مرجعية؟.
ويتبقى أخيرا أمامنا احتمالين : إما أن النظام نجح فيما أراد الوصول إليه وضمان استقراره ولو لأجل غير مسمى، أو انه أصبح يلعب ورقته الأخيرة بعد استنزاف ورقة الإسلاميين و ورقة الحركة الوطنية الديمقراطية ولم يتبقى له سوى ورقة اليسار الجديد.
في انتظار ظهور أوراق جديدة.
تعليقات