حوار مع محمد المدني... اصلاح دستوري شامل بدل الترقيع





محمد المدني أستاذ للعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس أكدال، يناقش الجهوية والقضاء وعلاقتهما بالإصلاح الدستوري، وما هي معالم دستور محمد السادس...








عزيز إدمين: ما هي ملاحظاتكم بخصوص مطالب الإصلاح الدستوري في مغرب محمد السادس؟

محمد المدني: من مميزات العهد الجديد هو تنامي مطالب الإصلاح الدستوري، وهي مطالب محمومة من طرف عدة فاعلين جمعويين وحزبيين ومثقفين، وبعض حركات حقوق الإنسان والحركات الامازيغية، وهذا التنامي اشتد حدة بعد انتهاء مرحلة حكومة اليوسفي وتعيين وزير أول تكنوقراطي، بالاضافة إلى نوع من التقييم لتجربة التناوب والذي قام به اليوسفي نفسه في خطاب بروكسيل، وبالمقابل أمام هذا التنامي هناك تنوع في الإصلاحات التي قام بها محمد السادس وهي على عدة مستويات: الحقل الديني، التعليم والمنظومة التربوية، الأسرة ... لكن المجال الدستوري بقي غير مطروق. وبالتالي نلاحظ هذه الثنائية بين الحدة في المطالبة ومن ناحية أخرى عدم تسجيل هذا المطلب في الأجندة المؤسساتية.

وما يميز أيضا هذه المرحلة هو خفوت هذا المطلب إن لم نقل غيابه لدى أحزاب وازنة مثل الاتحاد الاشتراكي و حزب الاستقلال والتقدم والاشتراكية إلى حد ما، اعتبار أن هذا المطلب ليس ملح بشكل أساسي ويأتي بالدرجة الثانية بعد الإصلاح السياسي لان هناك اوراش أهم من الإصلاح الدستوري، وطبعا الاتحاد الاشتراكي سيغير من هذا الموقف حينما سيشير إلى الملكية البرلمانية كأفق.

لكن السمة العامة لهاته المرحلة هي انه لم يتم وضع هذا المطلب في الأجندة الملكية، وأيضا حتى من قبل الأحزاب التاريخية التي كانت من وراء تعديلات التسعينيات والتي أهملت هذا الجانب أو اعتبرته في موقع ثاني بعد ما يسمى بالإصلاح السياسي، واشتغلت بثنائية الإصلاح السياسي والإصلاح الدستوري، وكأن هذا الأخير هو مجرد مسألة تقنية، وهذه الثنائية تركز على إصلاح الأحزاب وقطاعات أخرى دون الوصول إلى إصلاح شامل للدستور.

س: إذن هذا التراجع الحزبي في مطالب الإصلاح الدستوري يقابله تنامي مطالب المجتمع المدني والحركات الحقوقية والامازيغية وغيرها. هذا الفاعل الجديد في مطالب الإصلاح إلا يمكن أن يشكل بديلا للأحزاب السياسية أو على الأقل يلعب دورها في هذا المجال؟

ج: من الصعب مقارنة الفعل الذي يقوم به ما يسمى بالمجتمع المدني، أو مجتمع الجمعيات، مع العمل الحزبي، لأننا لسنا في نفس المنطق، ولا يمكن أن نقول هذا عوض هذا، لأنه ليس لهما نفس العقل، ولكن أكيد أن الجمعيات لعبت مهم بالمقارنة الأحزاب، ويجب حتى داخل الجمعيات التمييز، فنجد فيما يخص مطلب الإصلاح الدستوري هناك جمعيات تلح بالطلب عليه كبعض جمعيات حقوق الإنسان، وهناك جمعيات أخرى كانت نشيطة ولازالت كذلك لم تعتبر أن هذه القضية ملحة، وخصوصا أشير إلى دور جزء كبير من "المجتمع المدني" وهي الجمعيات النسائية التي عودتنا أن تعبأ بقوة في الصراع الدستوري، مثلا 92 و96 والآن حاضرة ولكن ليس بنفس الحضور السابق.

إذن حتى داخل هذا الحقل غير الحزبي هناك أيضا انقسامات فيما يخص هذا المطلب كالجمعيات الامازيغية لها مطالب معينة وجمعيات ذات التوجه الإسلامي لها مطالبها ... فحتى داخل الجمعيات لا يمكن أن نقول أنها معبأة بشكل اكبر حتى تعوض الأحزاب السياسية.

بالإضافة إلى ذلك حتى داخل المعارضة الإسلامية التي يمثلها حزب العدالة والتنمية ليس هناك إلحاح بشكل جماعي حول الإصلاح الدستوري باستثناء بعض المواقف الفردية، وهي الأخرى منشغلة على ثنائية السياسي/الدستوري، وتركز على السياسي.

س: نعيش الآن ما يسمى في أدبيات علم السياسة بالأجيال الجديدة للدساتير، إلا ترون أن المجتمع المدني أكثر تطورا في مطالبه باعتماده على مرجعية دساتير صك الحقوق أو دساتير المواطنة وغيرها في مقابل الأحزاب السياسية لازالت تركز على دساتير فصل السلط؟

ج: لا اعتقد ذلك، أولا لا يمكن منهجيا أن نتحدث عن مجتمع مدني ككثلة متناسقة لها تصور حول مطلب الإصلاح الدستوري، يجب أن نحدد عن من نتحدث؟ من له هاته المطالب؟ هذا من الناحية المنهجية. أما فيما يخص التصنيف الذي يقدم للدساتير وكأنها نتاج لأجيال، وان البعض منها تجووز تاريخيا ودخلنا مرحلة الصكوك والدساتير الجديدة، اعتقد أن هذه التصنيفات كما تعلم في القانون الدستوري والعلوم السياسية، هي أدوات لها طابع وصفي، فعندما نريد أن نصف تطور الدساتير، نقول انه في مرحلة الثورة الفرنسية كانت الدساتير تركز على فصل للسلط والحريات المدنية والسياسية، مرحلة الحرب العالمية الثانية أصبحت الدساتير تأخذ بعين الاعتبار الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ومرحلة أخرى دخلت الحقوق الثقافية واللغوية، ولكن تبقى هذه التصنيفات نموذجية، نموذج المثال، التي ليست لها أهمية تفسيرية، المطلب الدستوري مرتبط بوضعية المجتمع وبوضعية الحقل السياسي في مجتمع معين، قد يكون المطلب الثقافي ملح في مجتمع ما وقد يكون مطلب فصل السلط ملح في مجتمع أخر.

ولكي نكون ملموسين وغير مجردين، في المغرب لا أعتقد أن مطلب فصل السلط متجاوز، لان أي واصف للنظام الدستوري، بغض النظر عن توجهاته هل هي يمينية أو يسارية، يقر بأن هناك تمركز للسلطة، هذا التمركز للسلطة يناقض فصل السلط. وبالتالي فهذا واقع ولا يمكن أن نقول مسألة فصل السلط متجاوزة والآن هناك دساتير الصكوك، لأننا لسنا أمام مسألة نقل نوع معين من الدساتير وإنما إجابة عن قضايا حقيقية ملموسة يطرحها النظام في الممارسة السياسية الفعلية.

وبالتالي فانا احتاط من هذا النوع من التسرع في التصنيف الذي ليس له أسس في الواقع المغربي، حتى بالنسبة لوجهة النظر الرسمية هي تعتبر هذا المشكل المطروح، لكن الحل الذي تقدمه هو حل متعلق بالتوقيت، لأنه لم يحن الوقت لطرح مسألة فصل السلط والتقسيم بين المركز والجهات.

س: في هذا الإطار، لدينا خطاب الجهوية الأخير، إلا ترون انه يؤسس لمعالم دستور محمد السادس، والقائم على فصل السلط على المستوى الأفقي بين المركز والجهات؟ بمعنى أخر إلا يجسد الخطاب نوع من التوزيع العادل للسلطة؟

ج: الآن ما لدينا هو وصف ما هو قائم أي العلاقة بين المركز والجهات، ما هو كائن هو وجود مركزية قوية في القرارات الكبرى وفي المجال المالي والسياسي، وهناك ممارسة تسير في اتجاه جهوية محدودة، وبالتالي ليس هناك تجربة أو نواة جهوية يمكن تطويرها بالشكل المطلوب لان الجهوية الموجودة الآن ينقصها عنصران أساسيان، أولا المشروعية، أي انبثاقها من صناديق الاقتراع، ومن الناحية الفعلية تنقصها الصلاحيات التدبيرية والمالية الضرورية للقيام بعملها، وما هو كائن أيضا هو خطاب ينوي الخروج من هذه الوضعية والتقدم نحو جهوية موسعة، نحن الآن فقط على مستوى الخطاب، لا يمكن أن نعطي اليوم تقييم يربط هذا الخطاب أما بالديمقراطية أو المشاركة إلى الخ، فهذا سابق لأوانه.

وبجانب هذا الخطاب هناك مؤسسة ستوضع وهي اللجنة الاستشارية، ودورها هو التفكير في هذا الخطاب في ضوء حدود مرسومة سلفا، تتعلق بالسيادة ودور الملكية.

س: في نظركم بعد هذه العشرية ألا ترون أي مؤشر لإصلاح الدستور؟ خاصة أن الحلقة بين الرابطة بين العهد القديم والعهد الجديد هو دستور 1996.

ج: أنا لا يمكن أن أتنبئ، ودوري ليس هو التنبؤ ولكن التحليل...

س: على مستوى المؤشرات؟

ج: أنا سأنطلق في وصف ما هو كائن، وتفسيره على قدر المستطاع.

ما هو كائن، هناك من طرف الملك محمد السادس تأجيل للإصلاح الدستوري، تأجيل مفهوم لان مطالب الإصلاح متنوعة ومتعددة وفي بعض الأحيان متناقضة فيما بينها، هناك قضايا متداخلة فيها ماهو داخلي وما هو خارجي جعلت من الصعب فصل بعض القضايا، كما هو الشأن بالنسبة ل 96 أو 92 وتناولها في الإصلاح الدستوري، ونفهم أن التأجيل حضي بموافقة غير مباشرة لأحزاب لها تمثيلية لابأس بها من الأغلبية والمعارضة، واعتبرت أن لها أسبقيات أخرى، إذن هذه عوامل التأجيل.

بالمقابل ولتجاوز إصلاح مباشر عمل محمد السادس إلى تصريف هذا الإصلاح ا والى تجزيئه إلى أقسام قابلة للإصلاح بشكل مستقل في أفق تجميعها ربما في وثيقة دستورية، وهذا الوقت لا يمكن أن نتنبأ به هل في 2010 أو 2012. عمليا، عملية تجزيء الإصلاح الدستوري إلى أقسام قابلة للإصلاح مثل القضاء أولا ثم الجهوية الموسعة ثانيا وفيما بعد ربما عدم التركيز الإداري، هذه الأقسام التي تلح عليها المؤسسة الملكية باستمرار في الخطب، وما يسميه الملك بالإصلاح المؤسساتي، وهو مصطلح عوض لدى محمد السادس مصطلح الإصلاح الدستوري، أي قرارات جزئية في قضايا محددة، تتناول بطريقة تكنوقراطية. هذا لا يعني أنني انتقد الطريقة التقنية أو التكنوقراطية، بل العكس اللجان والعمل التكنوقراطي في بعض الأحيان ضروري إلا انه لا يعوض النقاش العمومي العام.

س: إذن فلسفة السلطة كما هي مكرسة منذ دستور 1962، ستبقى حاضرة ولكن معالجة بعض القضايا من زاوية تقنية محضة؟

ج: أنا أتحدث الآن عن قضايا تعتبر مشكلة دستورية كيف يتم التعامل معها، هنا قضيتين القضاء والجهوية الموسعة وقد تضاف إليهما قضايا أخرى، فهناك احتمالين، فأنا انطلق مما هو كائن، احتمال على شاكلة مقترحات هيئة الإنصاف والمصالحة بالنسبة للجنة الاستشارية، قد تأتي باقتراحات لكن قد تبقى على الرفوف لان إنشاء لجنة لا يعني بالضرورة المرور مباشرة لمرحلة التطبيق، فقد يقف عمل اللجنة على هذا المستوى وقد ترافقها مباشرة في الشهر نفسه أو الذي يليه أو الدخول السياسي المقبل او قبل الانتخابات المقبلة...، عملية الدخول في التطبيق، الآن التطبيق لا يمكن التنبؤ به.

تعليقات

‏قال nadia…
النقاشات السائدة حول الإصلاح بالمغرب يطغى عليها الجانب الدستوري والسياسي، في حين لا يتم ربطها بالعنصر البشري وما يحمله من قيم تعكس الثقافة السائدة والقيم المهيمنة،

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مقارنة شكلية بين دستوري 2011 و1996

نظام الحكم في المغرب

الرجة الثورية العربية على ضوء نظريات الثورات والاحتجاجات لعبد الحي مودن